بيان الاعتذار
من الطاهر وطار لمداوروش
اعتذار للشيوخ الذين يذكرونني. للشباب الذين لم يروني, إلا صورة.
اعتذار للمجاهدين الذين كتب عنهم ةلهم اللاز والشهداء يعودون هذا الأسبوع, ونوة, ومعظم أعمالي.
اعتذار للجامع الذي تعلمت وصليت ونمت فيه ليالي طويلة, عند قبر الحاج الطاهر بشيشي الفارغ أيامها, يهزني الخوف والرعب, خاصة عند الفجر عندما يشرع المؤذن بوليفة رحمه الله في الصعود إلي المئذنة ضاربا الدرجات واحدة فواحدة بعصاه, كأنما يطرد الأرواح الشريرة التي يهيء لي أنها تهرب كلها لتتخفي في القبر المفتوح.
اعتذار للبوسطة التي شهدت أول تطلعي للمعرفة, فتزودني بكوبونات المراسلات الدولية أرسلها للقاهرة كي أتلقى دروس الصحافة ودروس السينما, ودروس الاختزال, أحفظها بعد ذلك جميعها عن ظهر قلب.
اعتذار للرحبة التي حاولت أن أكون فيها وجل أعمال, فأبيع كل خميس من جملة ما أبيع الكراميل التي أكل نصفها قبل نفاذها.
اعتذارا للجوامع جامع أبي رحمه الله, وجامع الحاج حمو والجامع القديم التي حفظت فيها نصف القرآن الكريم والتي حفظته في بعضها للبنين والبنات.
اعتذار لمدرستها التي تعلمت فيها أول دوس في النحو والصرف والجغرافيا والتاريخ.. إلى محمد فارح رحمه الله الذي أنشأها وعلم فيها, إلى الشيخ معمر حني شيخنا وإمامنا ذكره الله بالخير.. مدرستنا التي تتحول من حين لآخر إلى قاعة سينما نبكي فيها مع عبلة ومع رابحة, ونبتهج فيها مع انتصارات زورو وطارزان.
اعتذار لما كان ملعبهاحيث لعبت حارس مرمي تعيس.
اعتذار لجبانة بني مزاب التي كانت غار حراي, ألوذ إليها وأشرع في تأمل الكون.
اعتذار لطاحونة مرزوق التي كان نواحها يبكيني كل يوم.
اعتذار لصباي, لشبابي, لانتصاراتي وإخفاقاتي, لآلامي وأحزاني, للمسوات التي لم أكن أجدها إلا في الكتب.
اعتذار لقطار الرابعة الذي كانت صفارته تغرينا كالسيرينيات بالهروب أليه وفيه, نحو سوق اهراس ونحو عنابة.
اعتذار لطريق صدراتة لطريق تبسة, لطريق سوق اهراس ولعربات الحمالين التي كانت تحملنا في الأعياد أطفالا وبنات لهذا الطريق أو ذاك, وأهازيج البنات تملأ الفضاء تمجيدا لصاحب العربة ولحماره.
اعتذار لليلى لعجايلية بنت مداوروش الفحلة, عن إضاعة جهودها في إعداد ما كلفتها به عصابة السماسرة من ترتيبات ما يسمونه تكريما.
يغضب جدك أبولي المداوروشي الذي تعجبين به, إذا ما سلمت قيد أنملة في شعار ومبدأ الشاوي: أخنفوف.
وتجوع الحرة, ولا تأكل من ثدييها.
لن آتي يامداروش هذه المرة, مع من دعوني بزعم تكريمي.
فأنا لم أخن في يوم من الأيام مبادئي فأسكت عن النهز إذا كان في صالحي.
لن أقع فريسة إغراء عصابات قطاع طرق الثقافة, المستولين عنوة عن كل ما يدر به القطاع على أمثالهم, تاركين لأسيادهم الأحياء والأموات "التكريم" في مآدب يملأون فيها بطونهم ويتذللون للولاة للحصول على السكنات ثم يفسقون ويفجرون ويطيلون ألسنتهم في قدح ضحاياهم المكرمين.
لا يا مرداوروش يا منطقة الآلاف المؤلفة من الشهداء والأبطال.
لن أخون الأمانة وأشوه ما كرمني به ربي من عبقرية وموهبة, وما كرمتني به مداوروش من وجدان صافي نقي طاهر, وما كرمتني به الجزائر العميقة من حب وثقة.
ولن أقبل التكريم المسموم.
ولن أتي هذه المرة, وأنا على استعداد للمجيء بدون أي طمع في أكثر مما نلته من مداوروش.
لقد أعطتني اللاز. أعطتني أيضا الشهداء يعودون هذا الأسبوع, فأي عطاء من مؤلفين أوصلاني إلى العالمية.
سآتي رغم أنني لم أغادرك أبدا.. وسلاما سلاما عليك في ماضيك وفي حاضرك وفي مستقبلك.. وفي كل الزمان, يا مداوروش أبولي المداوروشي.