هذا الحوار دار بين الطاهر وطار ومجلة اليمامة
الجزائر - حاورته: إنشراح سعدي
الروائي الجزائري الطاهر وطار كاتب وأديب وسياسي مصادم ولد في بيت يتكلم الأمازيغية وليس به ورقة مكتوبة بالعربية غير المصحف، لكنه أصبح مناضلاً من أجل العربية في الجزائر وكاتباً تترجم أعماله إلى اللغات العالمية.
الجزائر - حاورته: إنشراح سعدي
الروائي الجزائري الطاهر وطار كاتب وأديب وسياسي مصادم ولد في بيت يتكلم الأمازيغية وليس به ورقة مكتوبة بالعربية غير المصحف، لكنه أصبح مناضلاً من أجل العربية في الجزائر وكاتباً تترجم أعماله إلى اللغات العالمية.
مراسلة اليمامة في الجزائر التقت الأستاذ الطاهر وطار واسترجعت معه شريط ذكرياته وملامح من مشواره الحافل:
طفل عزيز:
؟ ماذا تتذكر من طفولتك الأولى وهل ما زلت تحن لمكان مولدك؟
- غريب الأمر، أتذكر كل شيء، أتذكر حتى بعض ما حدث لي في الأربع سنوات الأولى، نحن كنا في بادية وهذه البادية شاقة وصعبة، منطقة شبه سهوبية يسكن الثلج فيها أسابيعَ طويلة، أذكر أني كنت على ظهر أختي الزهراء -رحمها الله- فنطحتنا بقرة فوقعنا معاً، ما زال بين عيني تلك السقطة، وتلك اللحظة، أشياء أخرى كثيرة وتفاصيل عديدة.
؟ ما هي؟
- أنا لم أمش من السنة الأولى، مشيت في السنة الثالثة، فكنت محل عناية ورعاية وجئت بعد موت من سبقني اثنان أو أكثر، فجئت عزيزاً معززاً ومدللاً، وأذكر أن أمي جعلت خرصاً من الذهب في أذني وما إن بدأت أمشي حتى اختطفني جدّي، وكان يحبني كثيراً، كنت أعز أحفاده وهم كثيرون بالعشرات، وأستخرج سكينة صغيرة وقطع ذلك الخرص قائلاً لي أنت رجل وهذا من خصائص البنات، ما زلت أذكر حركة تلك السكينة البيضاء، ما زلت أذكر كل تفاصيل العشر سنوات الأولى من وجودي في أسرة جدي الكبيرة، نحن قوم بدو، أمازيغ نتكلم الأمازيغية ليس في قومنا إلا معلم قرآن وهو من أولاد بوكحيل وهو من الأشراف، وهو الوحيد الذي يمتلك شيئاً مكتوباً، هو المصحف الشريف، ما عدا ذلك لا توجد ورقة مكتوبة في دارنا، لا جريدة لا مجلة لا مراسلة ولا أي شيء، لا كهرباء ولا أي شيء، كانت علاقتنا باللغة العربية هي علاقتنا بالقرآن الكريم وبالآذان، ودار جدي دار كبيرة هي دار شيخ العرش ويقصدها عابرو السبيل والمتسولون، هناك دائماً ثلاثة أماكن يقيم فيها الضيف، خيمة وبيت من الطوب ودار الضيافة وهي المستوى الأرقى، ودائماً هؤلاء لهم عشاؤهم، يأتون عادة في الليل، يأتي أحد الباعة على بغل أو فرس بعد أن يطوف في الدواوين ويأتي ليلاً ليتعشى ويبيت.
؟ لذلك قلت ورثتُ عن جدي الكرم والأنفة، وعن أبي الزهد والقناعة، وعن أمي الطموح والحساسية المرهفة وعن خالي زهو الفن؟
- نعم، كان جدي يرفض تقبل الأوامر من المسؤولين الذين عينتهم فرنسا وكان يعتبر ذلك إهانة، وكان أبي - رحم الله الجميع - معيناً في سلك من أسلاك الحالة المدنية، كان خوجة، وأبي قرأ قليلاً، يحفظ نصف القرآن الكريم، وذهب إلى قسطنطينة وجالس بابن باديس وعاد بسبب الظروف المادية، هذه الفترة غامضة جداً بالنسبة لي لا أعرف عنها الكثير، ولكن كان أبي الوجه الذي يقابل به جدي الإدارة وأعوان الإدارة، حتى أنه باع كل ما يمتلك واشترى له سيارة، أذكر هذه السيارة أذكر أن سقفها كان أبيض، ففي سنة 9391م، قبل بداية الحرب العالمية أبصرت الطائرة عابرة السيارة وطلبوا من أبي إيصالهم إلى قسطنطينة، وبذلك كافأ الحاكم أبي - يضحك بشدة - وعينه خوجة يكتب عند القائد، ومع ذلك كان يناصر الحركة الوطنية ويجندنا جميعاً لكتابة المنشورات وتوزيعها على الناس، تسوقت مع جدي في الأسواق وكان يحبني كثيراً، مدينتنا هي سدراتة كنا يوم الجمعة، نستيقظ حوالي الثانية صباحاً، ويستعد عمي دراجي وهو رجل أنيق وجنتلمان وكانت له ثلاث نساء، يستعد ويتعطر وننطلق بينما المسافة كلها لا تتعدى الكيلومترات العشر، نصل في الظلام لسدراتة، وبحكم عمل أبي تنقلنا في محيط أو قطر مئة كلم، نحو الشرق مرة والغرب مرة أخرى، تعرفنا على أقوام آخرين،
إلى أن استقر بنا المقام في مداوروش إلى أن أصبح عمري ستة عشر عاماً، في مداوروش منطقتنا كان اسمها "عين الصنب" أي عين الأصنام.
؟ ما الذي ميز هذه المنطقة؟
- هذه المنطقة عجيبة، في هذه المنطقة ظهر فيها "طكفرناس" وظهر"أبولي دوما دور" صاحب أول رواية في العالم، في هذه المنطقة ظهر "كاتب ياسين والطاهر وطار"، ظهرت "وردة الجزائرية"، ظهرت "بقار حدة، ظهر الشيخ بورقعة"، كما ظهر قادة كبار للثورة؛ وهذه المنطقة دفعت آلاف الشهداء أثناء الثورة التحريرية، وفي هذه المنطقة تعلم القديس أوغستان علوم البلاغة والصرف؛ وهذا ما يجعلني أقول إن هذه المنطقة هي منطقة ذات غليان إبداعي.
من اليمين إلى اليسار
؟ جدك فتح كتّاباً، وبذلك تربيت في بيت فيه روح الدين الإسلامي ولكنك اتجهت لليسار لماذا وكيف؟
- جدي كان كبير قومه، وباستمرار كان عنده طالب أي مقرئ يقرأ القرآن، أنا شخصياً علّمت القرآن الكريم رغم أني كنت انفعالياً كبيراً، وأضرب الطلبة بالعصا، وانتقلت إلى مدرسة جمعية العلماء في مداوروش، ثم انتقلت إلى قسطنطينة قليلاً ثم إلى الزيتونة أيضاً قليلاً، ولكن وقبل كل شيء لم نكن نتلقى الدعوة كنا نتلقى علوماً في البلاغة وفي الصرف وفي النحو وفي الجغرافية، ولم يكن شيوخنا متزمتين أو منغلقين كانوا متفتحين، أذكر شيخنا في مدرسة مداوروش خصص صبيحة كاملة للحديث عن ستالين حين مات، وصبيحة عن موت أسمهان وربطها بأغنية ليت للبراق عين فترى، لم نكن بالمعنى نتأهب لنصبح أئمة، أما قضية اليسار فأعتقد أنها "دعوة شر" على كثير من الشيوخ، الشيخ حسين مروة عندما عاد من النجف خلع العمامة، وأيضاً الشيخ محمود أمين العالم أزهري، وكثير من الفقهاء تحولوا إلى ماركسيين، ولا أعلم بالضبط ولكن كان شغفنا كبيراً للمعرفة ولم تكن ثقافة الاستعمار لتقنعنا، ولا ثقافة الغرب.
؟ هل كانت الأدلجة ضرورية آنذاك؟
- هذا أمر آخر، في أواخر الأربعينيات أو الخمسينيات، كان لا بد من انتماء؛ إما أن تصبح ناصرياً وإما قومياً عربياً وإما شيوعياً، حيت كانت يقظة من طرف الشباب العربي أيامها لفعل شيء من أجل الأمة وكانت وجهات نظر واختلاف في المدرسة أو الانتماء.... أذكر أنهم أحضروا لي دستور حزب البعث فلم يقنعني، وأنا كنت اطلعت على مبادئ الماركسية والاشتراكية بصفة خاصة ووسائل الإنتاج في يد العمال و...وغير ذلك ولم أقتنع بهذه التجزئة، تجزئة الأهداف، حزب البعث يقول نؤمم كذا وكذا وكل شيء ملك للدولة، والوحدة الإنسانية يخصصها للعروبة والعرب، أنا كبربري ودون شعور مني رأيت أن الانتماء الإنساني أهم من الانتماء العرفي.
مع جريدة الصباح
؟ ماذا تعني لك جريدة الصباح التونسية؟
- جريدة الصباح التونسية تعني لي العتبة التي اجتزتها لاحتراف الكتابة، بالمصادفة كنت أقول شعراً، شعراً تافهاً ورديئاً، شعراً موضوعاته محدودة جداً، طبعاً شاب جاء من البادية ما الذي سيعبر عنه وكيف؟وليتها كانت بادية العراق فباديتي ليست البصرة ولا الموصل، فوق كل ذلك أنا بربري عربيته يجمعها كلمة وراء كلمة، اطلعت على مجلة القصة التي كانت تصدر في مصر، وقرأتها بنهم شديد.
؟ صحيح أنها كانت أول مرة تقرأ فيها مجلة؟
- نعم، ولكنني قرأت قبل ذلك ميخائيل نعيمة جبران خليل جبران، العقاد وطه حسبن ولم اطمئن إلى هذين الرجلين، لم يعجبني أسلوبهما كان يضايقني أسلوب طه حسين وتضايقني عجرفة العقاد، قرأت زكي مبارك وقرأت الرافعي أوراق الورد وغير ذلك، وامتلكت النثر وتشبعت به، خاصة بزكي مبارك وجبران خليل جيران والرافعي، ومن خلال هؤلاء أحببت النثر العربي، وما يزال في أسلوبي الشيء الكثير منه، ولكن الدراما لم أعرف عنها شيئاً إلى أن قرأت مجلة القصة فبدأت أكتب القصة، والغريب أن أول قصة كتبتها أرسلتها لمجلة الصباح فنشرت، وكان موضوعها موضوع شباب، الحب الضائع، هذا ما تعنيه جريدة الصباح لعمي صالح، بالإضافة إلى أني اشتغلت فيها وفتحت لي النوافذ نحو الصحافة ومهنة الطباعة، ومن جهة أخرى كنا كشباب جزائري أنا وعبد القادر السائحي والشيخ التلي رحمه الله، نشتغل مع الإخوة التونسيين وننشئ معهم صحافة تساند الثورة الجزائرية، وندخل إلى الجزائر لنجمع أخباراً وصوراً ونعود بعدها لنشرها، أنشأنا جريدة اللواء البرلمان التونسي، كما أنشأنا جريدة النداء التونسية وأوقفتها السلطات، وأما جريدة الصباح فقد أتمت عندي تقنية إنشاء جريدة والتنسيق من أجل إخراج جريدة كاملة.
؟ لم تقتنع بهذا النثر بقدر اقتناعك بالأعمال المترجمة؟
- نعم، بعد أن قرأت نجيب محفوظ ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم وكنت أطمئن أكثر لتوفيق الحكيم، كنت أجده أكثر انطلاقاً كان يكتب الرواية وينتقل إلى المسرحية وإن أراد أن يكتب مونولوجاً يفعل، توفيق الحكيم كان أكثر عمقاً بينما نجيب محفوظ لم يشدني كثيراً، يوسف السباعي كان يشدني كمراهق "الأطلال، ورد قلبي"، ولكن لفت انتباهي الأستاذ حفناوي زاغز إلى أسماء كانت غريبة علي، إلى غوركي وإلى دكنز والى تولستوي ودولتوفسكي وإلى غيرهم فوجدت في هذه الآداب الأجنبية صلابة البناء الدرامي وعمق الرؤية وتشيُّؤ الأشياء خاصة في الأدب الكلاسيكي الروسي، وعرفت فائض القيمة في النظرية الماركسية من خلال جاك لندن، وذلك من خلال رواياته الحديدية وإلا ماكنت أعرف شيئاً فالكتابة تحتاج إلى علم، وأنا قارئ "أتبجح قليلاّ، وأفتخر"...
قارئ ذكي
؟ لك ذلك بعد هذا الباع؟
- أنا قارئ ذكي، أقرأ قي القراءة الواحدة أسلوب الكاتب ولغته، و أقرأ تكوين الشخوص وأبعادها وأقرأ أسلوبه الدرامي وكيف يصنع ملحمة، وأخرج من العمل بخلاصة كاملة ولو بقراءة واحدة حتى وإن كانت سريعة ومتعجلة، وبشفافية غريبة كما لو أنني ميكانيكي يفتح كل آلات المركبة في ذلك العمل، و ما زلت متأثراً بهؤلاء الكتاب خاصة ثلاثة رواد هم غوركي من حيث تعبيره عن الشقاء الإنساني ونزوله إلى الحضيض ولمس الأحاسيس الإنسانية في براءتها وسذاجتها، وهمنغواي في صرامته اللغوية إذ لا يضع مفردة زائدة ولغته كالرصاصة لا تخرج إلا لأداء مهمة معينة، وجون بول سارتر من حيت التحليل النفسي كوجودي ومن حيث توظيفه للحوار كأداة سرد وأداة لتطوير الحدث وليس فقط لتبادل الكلام كما يفعل الكتاب العرب، فحتى صباح الخير التي يقولها همنغواي تضيف خطوة إلى الأمام في البناء السردي للعمل.
؟ كانت لك مواقف سياسية تحسب لك كمبدع جزائري، ففي فترة من الفترات رفضت إرسال 42ألف شاب إلى المحتشدات دون محاكمة لا لشيء إلا لكونهم لحاء؟لماذا هذا الموقف وفي هذا الوقت بالذات؟
- نحن ديمقراطيون نقبل الاختلاف، ونقبل الآخر كما هو عليه، وأنا شخصياً أعتبر الإسلاميين خصوماً وليسوا أعداء هذا وإن كان لا بد من اتخاذ موقف اتجاههم، خصوم قد أتفق معهم فيما بعد قد أختلف، وأما كأعداء ألغيهم أو أقضي عليهم فهذا ليس من أخلاقي، ثم أن هنالك نقطة حساسة وقد صرحت في حينها بهذا الموقف قلت إذا ما خيرت بين هؤلاء الإسلاميين وبين هؤلاء الإقصائيين لاخترت الإسلاميين؛ لأني أؤمن إيماناً جازماً وقاطعاً بأن هؤلاء الإقصائيين ضد استقلال الوطن وضد اللغة العربية، ضد الوطن من خلال معاداتهم للغة العربية وارتباطهم بالخارج ولا يمكن إطلاقاً أن أجد نفسي مع هؤلاء الأعداء، وهؤلاء ليسوا خصوماً وأحاول القضاء عليهم بكل ما أمتلك، استولوا على السلطة بالعنف وأقاموا نظاماً غامضاً ضبابياً أخطبوطياً له ألف وألف إصبع ويد، و أنا لا أرضى بهؤلاء إطلاقاً مهما كان شكلهم ومهما كان ما يتبجحون به من ديمقراطية.
إشكالية الانتخابات
؟ ماذا لو لم يتم إلغاء الانتخابات؟
- هذه الإشكالية كبيرة أو بالأخص المغالطة كبيرة، فالانتخابات ليست استفتاء على نظام الحكم، الانتخابات على مجلس برلماني فيه أقلية وغالبية وغالبيات يمكن أن تتحالف مع بعضها، وفيه دستور يعطي لرئيس الجمهورية حق تشكيل الحكومة، وبالتالي كان يمكن أن نفعل ما فعله الأردن بالقفز على المرحلة الصعبة، يضاف إلى ذلك أن انتخابات ذلك الزمان هي انتخابات عقاب للنظام وليست انتخابات اختيار وانتماء، أعرف مدينة عنابة مثلاً عنابة الماجنة عنابة الداعرة تنتخب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، هذا أمر غريب ولكن انتخبت على فساد أخلاقهم، فلو استمر المسار وتشكل البرلمان وتشكلت الحكومة ووجد هؤلاء المتحمسون أنفسهم أمام متطلبات الدولة، كانوا سيكونون أناساً آخرين، وهناك أمر آخر يجهله الكثيرون وهو تركيبة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فهي تركيبة متناقضة هناك قواعد شابة متحمسة وحيوية وعصرية وهناك قيادات نستطيع القول إنها محافظة جداً تضطر القيادة المحافظة جداً أن تتخلى مثلاً عن أنصارها الذين هم تجار ومقاولون فتنشأ تجارات فوضوية للشباب يزاحمون بها أصحاب المحال، وكمحلل ديالكتكي لمست تناقضات داخل الحركة وكانت ستؤول للتفكك أحب من أحب وكره من كره، ورغم كل شيء تمنيت لو أن الإسلاميين حكموا الجزائر ولو أربع أو خمس سنوات ليطهروها من حزب فرنسا الذي يعترف كل الرؤساء بوجوده.
؟ هل ساعدتك جمعية الجاحظية التي أسستها وترأسها على ممارسة السياسة؟
- الجاحظية لا تمارس السياسة إطلاقاً، فالجاحظية منبر فيه معارضون ومؤيدون فيهم يسار ويمين، ومعظم هؤلاء يؤمنون بشعار لا إكراه في الرأي ويقبلون الآخر.
؟ ولكنك مشاغب سياسي كبير؟
- أنا أتنفس السياسة صباحاً ومساءً وأحاول قدر الإمكان أن أفك الارتباط بين الطاهر وطار والجاحظية وهذا أمر عسير، خاصة أن خصومي يتعامون عن الحقيقة وهو أن الجاحظية شيء والطاهر وطار شيء آخر، السلطة تدرك تمام الإدراك أن الجاحظية مؤسسة محايدة فيها من يحب النظام وفيها من يكرهه، ولكن لا نمارس السياسة ولا نقدم برنامجاً أو خططاً وإنما نقدم ثقافة.
مناضل شقي
؟ قلت في أحد حواراتك أنا أحد المناضلين الأشقياء من أجل اللغة العربية في الجزائر؟ لماذا ارتبط النضال بالشقاء وأنت لم تكف أبداً عن تفعيل الثقافة والحركة الإبداعية في الجزائر؟
- صراحة يا سيدتي لا أذكر... أما أني مناضل في صفوف المناضلين عن اللغة العربية فهذا لا شك فيه، ولا أدري ماذا قصدت أيامها بكلمة شقاء، و99% من الشعب الجزائري يناضل من أجل اللغة العربية، نمشي عكس التيار عكس مايراد لهذا البلد، ما زلنا نناضل من أجل الخروج من حالة أنديجان.
؟ أنديجان يعني مواطن من الدرجة الثانية؟
- نعم، ما إن ندخل هيئة إدارية مثلاً في بنك أو بريد بمجرد ما نملأ استمارة ما باللغة العربية ترفض، فيعاد له الإحساس بأنه مواطن من الدرجة الثانية مثلما كنا في الاربعينيات والخمسينيات قبل أن ننال الاستقلال، فنشعر بالذل نشعر بالنكبة وبالهزيمة نشعر بالإسقاط، ولهذا أنا شقي جداً حينما أسمع رئيس دولة يتقن العربية إتقاناً جيداً يخطب في منابر الصين الشعبية باللغة الفرنسية، وغير ذلك وغير ذلك وغير ذلك... وطبيعة النضال هو عدم الاستكانة للذة وعدم الاستكانة للراحة، فأنا لا أستريح طوال السنة وعلى مدى أربع وعشرين ساعة، وكما تعلمين أني حينما تغلق أبواب الجاحظية أتفرغ للإبداع وبالتالي لا أعرف متعة كما يتمتع الناس، أتمنى أن أجد فرصة لأزور جزر الكناري ولأزور بلداناً أخرى، لا أخرج إلا إذا دعيت لأنني ألهث وراء مهمتي ومهمتي في الجاحظية مهمة كبرى، ويضاف ذلك حالة الاسترخاء عند الطبقة المبدعة، أولدتها ظروف العنف ورغم أن معظم المبدعين بالعربية عاطفيين انتموا إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكانوا ضد السلطة ولكن احتموا بالسلطة، تجدين شاعراً وروائياً مديراً للإذاعة، شاعراً آخر مدير أخبار طوال يومه وهو يحسب حتى لا يغضب عليه النظام، أو أي أحد من هذا النظام، وروائي مدير الثقافة في باريس مهمته أن يحرس على سمعة النظام، حوالي عشرين شاعراً مديري ثقافة على مستوى الولايات، الكثير منهم يستشهدون بأن الطاهر وطار كان مديراً للإذاعة.
؟ ولكن هذه حقيقة؟
- نعم، حقيقة ولكني كنت شريكاً، بدليل أني لم أتقاضَ مليماً واحداً كراتب، كنت معتمداً على راتب تقاعدي وتصرفت كوزير وليس كمدير ولا يجوز المقارنة بين واحد انتهازي يزحف للتقرب من هذه الوزيرة أو ذاك الوزير مع مناضل قضى حياته في النضال، أمس تلفن لي أحدهم فأنَّبته وقطعت عليه التلفون.
؟ لماذا؟
- هكذا الدنيا مواقف.
؟ ترجمت أعمالك للعديد من اللغات، هل وجدت في أعمالك المترجمة ما يسرك؟
- قرأت ما ترجم للفرنسية وأستطيع القول إني راقبت بعض المترجمين خوفاً من أن يدس السم في العسل مثل مارسيل بوا، وبعضهم جزائريين لأساعدهم على فهم العمل بدقة، وأنا سعيد لما ترجم بالفرنسية، وأما اللغات الأخرى لا أعرفها، وأنا كلما ترجم لي عمل ثقلت مسؤولياتي وثقل إنتاجي وتباطأ؛ لأني أحس أني صرت مسئولاً أمام أطفال الصين وفيتنام والفرنسيين واليهود حتى وإن لم يقرؤوه ولكن أصبحت مسؤولياتي أكبر بكثير