الأغاني - (ج 1 / ص 30)
لا مطاعٌ في آل زينب....
وأول لحن ابن محرز:
ولقد أشهد المحدث....
ومما غني فيه لابن محرز من أشعار عمر بن أبي ربيعة في زينب بنت موسى قوله:
صوت
يا من لقلبٍ متيمٍ كلفٍ ... يهذي بخودٍ مريضة النظر
تمشي الهوينى إذا مشت فضلاً ... وهي كمثل العسلوج في الشجر
- للغريض في هذين البيتين خفيف رمل بالوسطى، ولابن سريج رملٌ بالبنصر عن الهشامي وحبش -
ما زال طرفي يحار إذ برزت ... حتى رأيت النقصان في بصري
أبصرتها ليلةً ونسوتها ... يمشين بين المقام والحجر
ما إن طمعنا بها ولا طمعت ... حتى التقينا ليلاً على قدر
بيضاً حساناً خرائداً قطفاً ... يمشين هوناً كمشية البقر
قد فزن بالحسن والجمال معاً ... وفزن رسلاً بالدل والخفر
ينصتن يوماً لها إذا نطقت ... كيما يشرفنها على البشر
قالت لثربٍ لها تحدثها ... لنفسدن الطواف في عمر
قومي تصدي له ليعرفنا ... ثم اغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها قد غمزته فأبى ... ثم اسبطرت تسعى على أثري
من يسق بعد المنام ريقتها ... يسق بمسكٍ وباردٍ خصر
غنى في هذا الشعر الغريض خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وغنَّ فيه ابن سريج رملاً بالبنصر عن الهشامي وحبش. ومنها:
صوت
ألا يا بكر قد طرقا ... خيالٌ هاج لي الأرقا
لزينب إنها همي ... فكيف بحبلها خلقا
خدلجةٌ إذا انصرفت ... رأيت وشاحها قلقا
وساقاً تملأ الخلخا ... ل فيه تراه مختنقا
إذا ما زينبٌ ذكرت ... سكبت الدمع متسقا
كأن سحابةً تهمي ... بماءٍ حملت غدقا
الغناء لحنين رملٌ عن الهشامي. وفيه لابن عباد خفيف ثقيل، ويقال: إنه ليونس. ومما قاله " فيها " أيضاً وغني فيه:
صوت
ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كان الرحيل غدا
قد حلفت ليلة الصورين جاهدة ... وما على المرء إلا الحلف مجتهدا
لأختها ولأخرى من مناصفها ... لقد وجدت به فوق الذي وجدا
لو جمع الناس ثم اختير صفوهم ... شخصاً من الناس لم أعدل به أحدا
الغناء لابن سريج رملٌ بالسبابة والبنصر في الأول والثاني عن يحيى المكي، وله فيه أيضاً خفيف رملٍ بالوسطى في الثاني والثالث والرابع عن عمرو. ولمعبد ثقيلٌ أول في الأول والثاني عن الهشامي. وفيه خفيف ثقيلٍ ينسب إلى الغريض ومالك.
أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن مصعبٍ العيب عليكري قال: اجتمع نسوةٌ فذكرن عمر بن أبي ربيعة وشعره وظرفه ومجلسه وحديثه، فتشوقن إليه وتمنينه. فقالت سكينة: أنا لكن به، فبعثت إليه رسولاً أن يوافي الصورين ليلةً سمتها، فوافاهن على رواحله، فحدثهن حى طلع الفجر وحان انصرافهن. فقال لهن: والله إني لمحتاجٌ إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده، ولكني لا أخلط بزيارتكن شيئاً. ثم انصرف إلى مكة وقال في ذلك:
ألمم بزينب إن البين قد أفدا
وذكر الأبيات المتقدمة.
عود إالى شهادة جرير
والغريب وغيرهما في شعرعمر
أخبرني عمي قال حدثنا الكراني قال حدثنا العمري عن لقيط قال: أنشد جريرٌ قول عمر بن أبي ربيعة:
الصوت
سائلا الربع بالبلي وقولا ... هجت شوقاً لي الغداة طويلا
أين حيٌ حلوك إذ أنت محفو ... فٌ بهم آهلٌ أراك جميلا؟
قال ساروا فأمعنوا واستقلوا ... وبزعمي لو استطعت سبيلا
سئمونا وما سئمنا مقاماً ... وأحبوا دماثة وسهولا
الأغاني - (ج 1 / ص 31)
فقال جرير: إن هذا الذي كنا ندور عليه فأخطأناه وأصابه هذا القرشي. وفي هذه الأبيات رملان: أحدهما لابن سريج بالسبابة في مجرى الوسطى، والآخر لإسحاق مطلقٌ في مجرى البنصر جميعاً من روايته. وذكر عمرو: أن فيها رملاً ثالثاً بالوسطى، لابن جامع. وقال الهشامي: فيها ثلاثة أرمال لابن سريج، وابن جامع، وإبراهيم. ولأبي العبيس بن حمدون فيها ثاني ثقيلٍ. وفيها هزجٌ لإبراهيم الموصلي من جامع أغانيه.
أخبرني الحرمي قال حدثنا العيب عليكر قال: وجدت كتاباً بخط محمد بن الحسن ذكر فيه أن فليح بن إسماعيل حدثه عن معاذٍ صاحب الهروي أن النصيب قال: عمر بن أبي ربيعة أوصفنا لربات الحجال.
أخبرني الطوسي: قال حدثنا العيب عليكر قال حدثتني ظمياء مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب قالت: سمعت جدك يقول - وقد أنشد قول عمر بن أبي ربيعة:
صوت
يا ليتني قد أجزت الحبل نحوكم ... حبل المعرف أو جاوزت ذا عشر
إن الثواء بأرضٍ لا أراك بها ... فاستيقنيه ثواءٌ حق ذي كدر
وما مللت ولكن زاد حبكم ... وما ذكرتك إلا ظلت كالسدر
ولا جذلت بشيءٍ كان بعدكم ... ولا منحت سواك الحب من بشر
الغناء في هذه الأربعة الأبيات لسلام بن الغساني رملٌ بالسبابة في مجرى الوسطى عن إسحاق. وفيه لابن جامع وقفا النجار لحنان من كتاب إبراهيم ولم يجنسهما. وتمام الأبيات:
أذري الدموع كذى سقم يخامره ... وما يخامرني سقمٌ سوى الذكر
كم قد ذكرتك لو أجدى تذكركم ... يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
- قالت: فقال جدك: إن لشعر عمر بن أبي ربيعة لموقعاً في القلب، ومخالطةً للنفس ليسا لغيره، ولو كان شعرٌ يسحر لكان شعره سحراً.
أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني عمامة بن عمر قال: رأيت عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن العيب عليكر يسأل المسور بن عبد الملك عن شعر عمر بن أبي ربيعة، فجعل يذكر له شيئاً لا يعرفه، فيسأله أن يكتبه إياه ففعل، فرأيته يكتب ويده ترعد من الفرح.
المفاضلة بين شعره و شعر الحارث
بن خالد
أخبرني الحرمي قال حدثنا العيب عليكر قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون عن عمه يوسف قال: ذكر شعر الحارث بن خالد وشعر عمر بن أبي ربيعة عند ابن أبي عتيق في مجلس رجل من ولد خالد بن العاصي بن هشام، فقال: صاحبنا - يعني الحارث بن خالد - أشعرهما. فقال له ابن أبي عتيق: بعض قولك يا ابن أخي، لشعر عمر بن أبي ربيعة نوطةٌ في القلب، وعلوقٌ بالنفس، ودركٌ للحاجة ليست لشعرٍ، وما عصي الله جل وعز بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة، فخذ عني ما أصف لك: أشعر قريش من دق معناه، ولطف مدخله، وسهل مخرجه، ومتن حشوه، وتعطفت حواشيه، وأنارت معانيه، وأعرب عن حاجته. فقال المفضل للحارث: أليس صاحبنا الذي يقول:
إني وما نحروا غداة منى ... عند الجمار يؤدها العقل
لو بدلت أعلى مساكنها ... سفلاً واصبح سفلها يعلو
فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيرده الإقواء والمحل
لعرفت مغناها بما احتملت ... مني الضلوع لأهلها قبل
فقال له ابن أبي عتيق: يابن أخي، استر على نفسك، واكتم على صاحبك، ولا تشاهد المحافل بمثل هذا، أما تطير الحارث عليها حين قلب ربعها فجعل عاليه سافله! ما بقي إلا أن يسأل الله تبارك وتعالى لها حجارةً من سجيلٍ. ابن أبي ربيعة كان أحسن صحبةً للربع من صاحبك، وأجمل مخاطبةً حيث يقول:
سائلاً الربع بالبلي وقولاً ... هجت شوقاً لي الغداة طويلا
وذكر الأبيات الماضية. قال: فانصرف الرجل خجلاً مذعنا.
شيء من أخبار الحارث الملقب بالقباع
أخبرني علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن رجاله المسمين، وأخبرني به الحرمي عن الزبير عن عمه عن جده، قالوا: كان الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة أخو عمر بن أبي ربيعة رجلاً صالحاً ديناً من سروات قريش، وإنما لقب القباع لأن عبد الله بن العيب عليكر كان ولاه البصرة، فرأى مكيالاً لهم فقال: إن مكيالكم هذا لقباعٌ - قال: وهو الشيء الذي له قعر - فلقب بالقباع.
الأغاني - (ج 1 / ص 32)
وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان وأحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالوا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني عبد الله بن محمد الطائي قال حدثنا خالد بن سعيد قال: استعمل ابن الزبير الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة على البصرة، فأتوه بمكيال لهم، فقال لهم: إن مكيالكم هذا لقباعٌ، فغلب عليه. وقال أبو الأسود الدؤلي - وقد عتب عليه - يهجوه ويخاطب ابن العيب عليكر:
أمير المؤمنين جزيت خيراً ... أرحنا من قباع بني المغيرة
بلوناه ولمناه فأعيا ... علينا ما يمر لنا مريرة
على أن الفتى نكحٌ أكولٌ ... وولاجٌ مذاهبه كثيرة
شعر عمر في تشوقه إلى مكة
بعد أن خرج منها إلى اليمن
قالوا: وكان الحارث ينهى أخاه عن قول الشعر فيأبى أن يقبل منه، فأعطاه ألف دينار على ألا يقول شعراً، فأخذ المال وخرج إلى أخواله بلحجٍ وأبين مخافة أن يهجيه مقامه بمكة على قول الشعر، فطرب يوماً فقال:
صوت
هيهات من أمة الوهاب منزلنا ... إذا حللنا بسيف البحر من عدن
واحتل أهلك أجياداً وليس لنا ... إلا التذكر أو حظ من الحزن
لو أنها أبصرت بالجزع عبرته ... من أن يغرد قمريٌ على فنن
إذاً رأت غير ما ظنت بصاحبها ... وأيقنت أن لحجاً ليس من وطني
ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها ... وموقفي وكلانا ثم ذو شجن
وقولها للثريا وهي باكيةٌ ... والدمع منها على الخدين ذو سنن
بالله قولي له في غير معتبةٍ ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
قال: فسارت القصيدة حتى سمعها أخوه الحارث، فقال: هذا والله شعر عمر، قد فتك وغدر. قال: وقال ابن جريج: ما ظننت أن الله عز وجل ينفع أحداً بشعر عمر بن أبي ربيعة حتى سمعت وأنا باليمن منشداً ينشد قوله:
بالله قولي له في غير معتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت دنيا أو ظفرت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
فحركني ذلك على الرجوع إلى مكة، فخرجت مع الحاج وحججت.
غنى في أبيات عمر هذه ابن سريج، ولحنه رملٌ بالبنصر في مجراها عن إسحاق. وفيها للغريض ثقيلٌ أول بالوسطى عن عمرو.
طلب الوليد من يخبره عن الطائف
فدل على عمر
أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان قال حدثني إسحاق عن السعدي قال: قدم الوليد بن عبد الملك مكة، فأراد أن يأتي الطائف فقال: هل " لي " في رجلٍ علمٌ بأموال الطائف فيخبرني عنها؟ فقالوا: عمر بن أبي ربيعة. قال: لا حاجة لي به. ثم عاد فسأل فذكروه له فرده. ثم عاد فسأل فذكروه " له ثم رده. ثم عاد فسأل فذكروه له " ، فقال: هاتوه. فركب معه يحدثه، ثم حرك عمر رداءه ليصلحه على كتفه، فرأى على منكبه أثراً. فقال: ما هذا الأثر؟ فقال: كنت عند جارية إذ جاءتني جاريةٌ برسالة من عند جارية أخرى، فجعلت تسارني، فغارت التي كنت أحدثها فعضت منكبي، فما وجدت ألم عضها من لذة ما كانت تلك تنفث في أذني، حتى بلغت ما ترى، والوليد يضحك. فلما رجع عمر قيل له: ما الذي كنت تضحك أمير المؤمنين به؟ فقال: مازلنا في حديث الزنا حتى رجعنا.
المفاضلة بينه وبين ابن قيس الرقيات
أخبرني الحرمي قال حدثنا العيب عليكر قال حدثني محمد بن عبد الله البكري وغيره عن عبد الجبار بن سعيد المساحقي عن أبيه قال: دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نوفل بن مساحق، فإنه لمعتمد على يدي، إذ مررنا بسعيد بن المسيب في مجلسه وحوله جلساؤه، فسلمنا عليه فرد علينا، ثم قال لنوفل: يا أبا سعيد، من أشعر: صاحبنا أم صاحبكم؟ يريد: عبد الله بن قيس، أو عمر بن أبي ربيعة. فقال نوفلٌ: حين يقولان ماذا يا أبا محمد؟ قال: حين يقول صاحبنا:
خليلي ما بال المطايا كأنما ... نراها على الأدبار بالقوم تنكص
وقد قطعت أعناقهن صبابةً ... فأنفسنا مما يلاقين شخص
وقد أتعب الحادي سراهن وانتحى ... بهن فما يألو عجولٌ مقلص
الأغاني - (ج 1 / ص 33)
يزدن بنا قرباً فيزداد شوقنا ... إذا زاد طول العهد والبعد ينقض
ويقول صاحبك ما شئت. فقال له نوفلٌ: صاحبكم أشعر في الغزل، وصاحبنا أكثر أفانين شعرٍ. فقال سعيد: صدقت. فلما انقضى ما بينهما من ذكر الشعر، جعل سعيدٌ يستغفر الله ويعقد بيده حتى وفى مائةً. فقال البكري في حديثه عن عبد الجبار: قال مسلم: فلما انصرفنا قلت لنوفل: أتراه استغفر الله من إنشاد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كلا! هو كثير الإنشاد والاستنشاد فيه، ولكن أحسب ذلك للفخر بصاحبه.
المفاضلة بينه وبين جميل
ابن معمر العذري
أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدثنا عمر بن شبة قال قال أبو عبيدة حدثنا عوانة بن الحكم وأبو يعقوب الثقعفي: أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك قال لأصحابه ذات ليلة: أي بيتٍ قالته العرب أغزل؟ فقال بعضهم: قول جميل:
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود
وقال آخر: قول عمر بن أبي ربيعة:
كأنني حين أمسي لا تكلمني ... ذو بغيةٍ يبتغي ما ليس موجودا
فقال الوليد: حسبك والله بهذا! أخبرني الحرمي قال حدثنا العيب عليكر بن بكار قال حدثني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الحميد عن شيخ من أهله عن أبي الحارث مولى هشام بن الوليد بن المغيرة - قال: وهو الذي يقول فيه عمر بن أبي ربيعة:
يا أبا الحارث قلبي طائرٌفأتمر أمر رشيدٍِ مؤتمن
قال: شهدت عمر بن أبي ربيعة، وجميل بن عبد الله بن معمر العذري، وقد اجتمعا بالأبطح، فأنشد جميلٌ قصيدته التي يقول فيها:
لقد فرح الواشون أن صرمت حبلي ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون مهلاً يا جميل وإنني ... لأقسم مالي عن بثينة من مهل
حتى أتى على آخرها، ثم قال لعمر: يا أبا الخطاب، هل قلت في هذا الروي شيئاً؟ قال نعم.
قال: فأنشدنيه، فأنشده قوله:
جرى ناصحٌ بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحصاب إلى قتلي
فطارت بحد من فؤادي وقارنت ... قرينتها حبل الصفاء إلى حبلي
فلما تواقفنا عرفت الذي بها ... كمثل الذي بي حذوك النعل بالنعل
فقلن لها هذا عشاءٌ وأهلها ... قريب ألما تسأمي مركب البغل
فقالت فما شئتن قلن لها انزلي ... فللأرض خير من وقوفٍ على رحل
نجوم دراري تكنفن صورةً ... من البدر وافت غير هوجٍ ولا عجل
فسلمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدوٌ مقامي أو يرى كاشحٌ فعلي
فقالت وأرخت جانب الستر إنما ... معي فتكلم غير ذي رقبةٍ أهلي
فقلت لها ما بي لهم من ترقبٍ ... ولكن سري ليس يحمله مثلي
فلما اقتصرنا دونهن حديثنا ... وهن طبيبات بحاجة ذي الشكل
عرفن الذي تهوى فقلن ائذني لنا ... نطف ساعةً في برد ليلٍ وفي سهل
فقالت: فلا تلبثن قلن تحدثي ... أتيناك، وانسبن انسياب مها الرمل
وقمن وقد أفهمن ذا اللب أنما ... أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي
فقال جميلٌ: هيهات يا أبا الخطاب! لا أقول والله مثل هذا سجيس الليالي، والله ما يخاطب النساء مخاطبتك أحدٌ. وقام مشمراً.
قال أبو عبد الله العيب عليكر قال عمي مصعب: كان عمر يعارض جميلاً، فإذا قال هذا قصيدة قال هذا مثلها.
فيقال: إنه في الرائية والعينية أشعر من جميل، وإن جميلاً اشعر منه في اللامية، وكلاهما قد قال بيتاً نادراً ظريفاً، قال جميل:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلاً بكى من حب قاتله قبلي
وقال عمر:
فقالت وأرخت جانب الستر إنما ... معي فتكلم غير ذي رقبةٍ أهلي
كلمة الفرزدق وقد سمع شعر عمر
أخبرني علي بن صالح قال حدثنا أبو هفان عن إسحاق عن المدائني قال: سمع الفرزدق عمر بن أبي ربيعة ينشد قوله:
جرى ناصحٌ بالود بيني وبينها ... فقربني يوم الحصاب إلى قتلي
ولما بلغ قوله:
فقمن وقد أفهمن ذا اللب أنما ... أتين الذي يأتين من ذاك من أجلي