هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

4 مشترك

    قصة موسى في التفسير الجزء الثالث

    avatar
    عين اليقين
    مشرف المنتدى الإسلامي ومنتدى الطب والصحة
    مشرف المنتدى الإسلامي ومنتدى الطب والصحة


    عدد الرسائل : 27
    تاريخ التسجيل : 01/05/2008

    قصة موسى في التفسير الجزء الثالث Empty قصة موسى في التفسير الجزء الثالث

    مُساهمة  عين اليقين 7/6/2008, 21:39

    ـ قال في سورة النمل: "فَلَمّا جاءَهَا نُودِيَ"


    وقال في سورة القصص: "فَلَمّا أَتاها نُودِيَ"

    فما الفرق بينهما؟
    قال الراغب الأصفهاني مفرقا بين الإتيان والمجيء: الإتيان مجيءٌ بسهولة، ومنه قيل للسيلِ المارّ على وجهه أتي" (8). وقال: "المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم، لأن الإتيان مجيء بسهولة" (9)




    ولم يذكر أهل المعجمات ما ذكره الراغب، وإنما هم يفسرون واحا بالآخر، فيفسرون جاء بأتى، وأتى بجاء، غير أنهم يذكرون في بعض تصريفات (أتى) ما يدل على السهولة، فيقولون مثلا في تفسير الطريق الميتاء من (أتى) "طريق مسلوك يسلكه كل أحد" وذلك لسهولته ويسره. ويقولون : "كل سيل سهلته الماء أتيّ" و "أتّوا جداولها: سهلوا طرق المياه إليها" يقال: (أتّيت الماء) إذا أصلحت مجراه حتى يجري إلى مقارّه .. ويقال: أتّيت للسيل، فأنا أؤتّيه إذا سهلت سبيله من موضع إلى موضع ليخرج إليه .. وأتّيت الماء تأتيةً وتأتياً، أي: سهلت سبيله ليخرج إلى موضع"(10)



    والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة، أو لما هو أصعب وأشق مما تستعمل له (أتى) فهو يقول مثلا: "فَإذا جَاءَ أَمْرُنا وَفارَ التّنّورُ 27 " المؤمنون، وذلك لأن هذا المجيء فيه مشقة وشدة. وقال: "وجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالحَقّ 19" ق. وقال: "لَقَدْ جِئْتَ شَيْئا إمْرَا 71" الكهف. وقال: "لقَدْ جِئْتَ شِيْئا نُكْرا 74" الكهف.

    وقال: "قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً 27" مريم. وقال: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً. تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً" مريم .

    وقال: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً"الاسراء:81. وقال: "فَإذا جاءَت الصّاخّة. يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ من أخيهِ" عبس. وقال: "فإذا جاءَت الطّامّةُ الكُبْرَى" النازعات.

    وهذا كله مما فيه صعوبة ومشقة.

    وقد تقول: وقد قال أيضا: "هَلْ أَتاكَ حَديثُ الغَاشِيَة" والجواب: أن الذي جاء هنا هو الحديث وليس الغاشية في حين ن الذي جاء هناك هو الطامة والصاخة ونحوهما مما ذكر



    ويتضح الاختلاف بينهما في الآيات المتشابهة التي يختلف فيها الفعلان، وذلك نحو قوله تعالى: "أَتَى أَمْرُ الله" النحل، وقوله: "فَإذا جاءَ أَمْرُ اللهِ" غافر، ونحو قوله: "جاءَهُمْ نَصْرُنا" يوسف، و"أَتاهُمْ نَصْرُنا" الأنعام، ونحو قوله: "لجاءَهُمُ العَذابُ" العنكبوت، و"وأَتاهُمُ العَذابُ" النحل، وما إلى ذلك.

    فإنه يتضح الفرق في اختيار أحدهما على الآخر، وإليك إيضاح ذلك: قال تعالى: "أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ 1"النحل. وقال: "فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ 78" غافر. فقد قال في النحل: "أَتَى أَمْرُ اللهِ"، وقال في غافر: "جاءَ أَمْرُ اللهِ"، وبأدنى نظر يتضح الفرق بين التعبيرين، فإن المجيء الثاني أشق وأصعلب لما فيه من قضاء وخسران، في حين لم يزد في الآية الأولى على الإتيان. فاختار لما هو أصعب وأشق (جاء) ولما هو أيسر (أتى).



    ونحو ذلك قوله تعالى: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ110" يوسف

    وقوله: "وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ34" الأنعام



    فقال في آية يوسف "جاءَهُمْ نَصْرُنا" وفي آية الأنعام: "أتاهُمْ نَصْرُنا" ومن الواضح ان الحالة الأولى أشق وأصعب، وذلك أن الرسل بلغوا درجة الاستيئاس وهي أبعد وأبلغ، وذهب به الظن إلى أنهم كُذبوا، أي: أن الله سبحانه وتعالى كذبهم ولم يصدقهم فيما وعدهم به، وهذا أبلغ درجات اليأس وأبعدها، وعند ذاك جاءهم نصره سبحانه فنجّي من شاء وعوقب المجرمون.



    في يحن ذكر في الآية الأخرى أنهم كُذّبوا، أي: كذّبهم الكافرون، وأوذوا فصبروا. وفرق بعيد بعيد بين الحالتين، فلقد يُكذّب الرسل وأتباعهم ويُؤذَون، ولكن الوصول إلى درجة اليأس والظن بالله الظنون البعيدة أمرٌ كبير.



    ثم انظر إلى خاتمة الآيتين تر الفرق واضحا، فما ذكره من نجاة المؤمنين ونزول اليأس علىالكافرين في آية يوسف مما لا تجده في آ]ة الأنعام يدلك على الفرق بينهما.



    ومن ذلك قوله تعالى: "كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ . فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" الزمر:25 ـ 26

    وقوله: "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ. ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ. النحل 26 ـ27

    فقال في الآيتين: "وأتاهُمُ العَذابُ" في حين قال: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ. يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ. يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" العنكبوت:53 ـ 54 ـ55

    فقال: "فَجاءَهُمُ العَذابُ" وذلك أن الآيتين الأوليين في عذاب الدنيا بدليل قوله في آية النحل: "ثُمّ يَوْممَ القِيامَةِ يُخزيهِم.." وقوله في آية الزمر: " فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" في حين أن آية العنكبوت في عذاب الآخرة، وحتى لو كانت في عذاب الدنيا فإن ما ذُكر فيها من العذاب أشق وأشد مما في الآيتين الأخريين بدليل قوله: "وإنَّ جَهَنّم لَمُحيطَةٌ بالكافِرينَ" وقوله: "يَوْمَ يَغشاهُمُ العَذابُ مِنْ فَوْقِهِم ومِنْ تَحْتِ أرْجُلِهم.." فجاء لما هو أشق وأشد بالفعل (جاء) ولما هو أيسر بـ (أتى).



    وقد تقول: ولكنه قال: "ولَيَأتِيَنّهُم بَغْتةً" فاستعمل مضارع (أتى).

    والجواب: أن القرآن لم يستعمل مضارعا للفعل (جاء) .. ولذلك كل ما كان من هذا المعنى مضارعا، استعمل له مضارع (أتى) فلا يدخل المضارع في الموازنة، وسيأتي بيان ذلك.



    ومن ذلك قوله تعالى: "أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" التوبة: 70 ـ 71



    فقال: " أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ" وهو الموطن الوحيد الذي جاء فيه نحو هذا التعبير في القرآن الكريم في حين قال في المواطن الأخرى كلها: "جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ"

    ولو نظرت في هذه التعبيرات، ودققت فيها لوجدت أن كل التعبيرات التي جاءت بالفعل (جاء) أشق وأصعب مما جاء بـ (أتى)، وإليك بيان ذلك.



    قال تعالى: " تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ. وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ. ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" الأعراف:101 ـ 102 ـ 103

    فانظر كيف قال في آية التوبة: "أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ." ولم يذكر أنهم كفروا أو عوقبوا، في حين قال في آيات الأعراف: "فَما كانُ,ا لِيؤْمِنوا بِمَا كذّبُوا مِن ْ قَبْل" فذكر عدم إيمانهم، وأنهم طُبع على قلوبهم: " كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ"، وذكر أنه وجد أكثرهم فاسقين، وأنه لم يجد لأكثرهم عهدا، وذكر بعد ذلك ظلم فرعون وقومه لموسى وتكذيبهم بآيات الله وعاقبتهم.

    فانظر موقف الأمم من الرسل في الحالتين وانظر استعمال كل من الفعلين جاء وأتى، يتبين لك الفرق واضحا بينهما.



    ومنه قوله تعالى: " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ 13" يونس

    فقال: "وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالبَيّنات" وذلك أنه ذكر إهلاك القرون لظلمهم وذكر تكذيبهم وعدم إيمانهم وذكر جزاء المجرمين.

    وقال: "أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ 9" ابراهيم ، إلى أن يقول: "وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. "ابراهيم:12 ـ 13



    ويمضي في وصف عذاب الكفرة عذابا غليظا: "مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ. يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ" ابراهيم:17



    فقال أيضا: "وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهمْ بالبينات"، وأنا في غنى عن أبين موقف الأمم من رسلهم، وكفرهم بما أرسلوا به، وتهديدهم لهم بإخراجهم من الأرض، وعن ذكر عذاب الكافرين فيالدنيا بإهلاكهم وفي الآخرة بما وصفه أفظع الوصف.

    فانظر إتيانه بالفعل (جاء) وقارنه بالفعل (أتى) في آية التوبة يتضح الفرق بين استعمال الفعلين.



    ومن ذلك قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ9 ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ" الروم:10



    فذكر عاقبة الذين أساؤوا، وأنها السوأى تأنيث الأسوأ، أي: أسوأ الحالات على الإطلاق، وذكر تكذيب الأمم لرسلهم واستهزاءهم بهم، في حين لم يصرح في آية التوبة بتكذيب ولا استهزاء، ولم يذكر لهم عاقبة ما.



    ومن ذلك قوله تعالى: "وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ25 ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ 26" فاطر

    فذكر تكذيب الأمم السابقة لرسلهم بعد أن جاؤوهم بكل ما يدعو إلى الإيمان من البينات والزبر والكتاب المنير، وذكر أخذَه لهم وعلّق على ذلك بقوله: "فَكَيْفَ كان نَكيرِ"

    ومن ذلك قوله تعالى: " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ"غافر:82 إلى 85

    فقال: "جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيّناتِ" ثم ذكر أن أممهم استهزؤوا برسلهم وبقوا على شركهم حتى رأوا بأس الله ينزل بهم. فلم ينفعهم إيمانهم بعد فوات الأوان.



    قارن هذه الآيات التي وردت بالفعل (جاء) بالآية التي وردت بالفعل (أتى) وهي آية التوبة، يتبين الفرق بين استعمال الفعلين: جاء وأتى.



    وقد تقول: ولكن ورد في القرآن (أتتكم الساعة) و (جاءتهم الساعة) والساعة واحدة فما الفرق؟

    وأقول ابتداء أنه لا يصح اقتطاع جزء من الآية للاستدلال، بل ينبغي النظرُ في الآية كلها وفي السياق أيضا ليصحّ الاستدلالُ والحكم.

    وإليك الآيتين اللتين فيهما ذِكرُ الساعة:

    قال تعالى: " قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ 31" الأنعام



    وقال: "قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ 40 بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ 41" الأنعام



    فقال في الآية الأولى: "جاءَتْهُم السّاعَةُ" وقال في الثانية: "أَتَتْكُم السّاعَةُ"

    وبأدنى تأمل يتضح الفرق بين المقامين. فإن الأولى في الآخرة وفي الذين كذبوا باليوم الآخر، وهم نادمون متحسرون على ما فرطوا في الدنيا، وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم. وتوضحه الآية قبلها وهي قوله تعالى: " وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ30 قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا.. "الأنعام ، في حين أن الثانية في الدنيا بدليل قوله: "أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" وقوله: "بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ " فذكر أنه يكشف ما يدعون إليه إن شاء، وهذا في الدنيا، وإلا فإن الله لا يكشف عن المشركين شيئا في الآخرة ولا يستجيب لهم البتة.



    فالموقف الأول أشق وأشد مما في الثانية، فجاء بالفعل (جاء) دون (أتى) بخلاف الآية الثانية.

    فاتضح أن القرآن إنما يستعمل (جاء) لما هو أصعب وأشق. ويستعمل (أتى) لما هو أخف وأيسر.



    ولعل من أسباب ذلك أن الفعل (جاء) أثقل من (أتى) في اللفظ بدليل أنه لم يرد في القرآن فعل مضارع لـ (جاء) ولا أمر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول، ولم يرد إلا الماضي وحده بخلاف (أتى) الذي وردت كل تصريفاته، فقد ورد منه الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول. فناسب بين ثقل اللفظ وثقل الموقف في (جاء)، وخفة اللفظ وخفة الموقف في (أتى) والله أعلم.



    ونعود إلى ما نحن فيه من قصة موسى عليه السلام، فقد قال في سورة النمل: "فلما جاءها" وقال في سورة القصص: "فَلمّا أتاها" ذلك أن ما قطعه موسى على نفسه في النمل أصعب مما في القصص، فقد قطع في النمل على نفسه أن يأتيهم بخبر أو شهاب قبس، في حين ترجى ذلك في القصص. والقطع أشق وأصعب من الترجي. وأنه قطع في النمل، أن يأتيهم بشهاب قبي، أي: بشعلة من النار ساطعة مقبوسة من النار التي رآها في حين أنه ترجّى في القصص ان ياتيهم بجمرة من النار، والأولى أصعب. ثم إن المهمة التي ستوكل إليه في النمل أصعب وأشق مما في القصص، فإنه طلب إليه في القصص أن يبلغ فرعون وملأه. وتبليغ القوم أوسع وأصعب من تبليغ الملأ، ذلك أن دائرة الملأ ضيقة، وهم المحيطون بفرعون في حين أن دائرة القوم واسعة، لأنهم منتشرون في المدن والقرى، وأن التعامل مع هذه الدائرة الواسعة من الناس صعب شاق، فإنهم مختلفون في الأمزجة والاستجابة والتصرف، فما في النمل أشق وأصعب، فجاء بالفعل (جاء) دون (أتى) الذي هو أخف. ويدل على ذلك قوله تعالى في سورة طه: "فلما أتاها نُودِيِ يا موسى" ذلك لأنه أمره بالذهاب إلى فرعون ولم يذكر معه أحدا آخر: "اذهب إلى فرعون إنه طغى 24 قال رب اشرَحْ لي صَدْري 25 ويسّر لي أمري 26"
    فانظر كيف لما أرسله إلى فرعون قال: "أتاها"، ولما أرسله إلى فرعون وملئه قال (أتاها) أيضا في حين لما أرسله إلى فرعون وقومه قال: "جاءها" وأنت ترى الفرق بين الموطنين ظاهرا.
    nizarios
    nizarios
    كبير المشرفين
    كبير المشرفين


    عدد الرسائل : 849
    تاريخ التسجيل : 28/04/2008

    قصة موسى في التفسير الجزء الثالث Empty رد: قصة موسى في التفسير الجزء الثالث

    مُساهمة  nizarios 22/6/2008, 18:03

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    amine2008
    amine2008
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد الرسائل : 360
    العمر : 31
    تاريخ التسجيل : 30/05/2008

    قصة موسى في التفسير الجزء الثالث Empty رد: قصة موسى في التفسير الجزء الثالث

    مُساهمة  amine2008 27/6/2008, 07:45

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    علاء الدين
    علاء الدين
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد الرسائل : 316
    تاريخ التسجيل : 06/05/2008

    قصة موسى في التفسير الجزء الثالث Empty رد: قصة موسى في التفسير الجزء الثالث

    مُساهمة  علاء الدين 4/8/2008, 04:53

    مشكوووووووور

      الوقت/التاريخ الآن هو 7/5/2024, 02:19