هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    كتاب الأغاني الجزء الأول

    djalal-dz
    djalal-dz
    النائب العام للمدير
    النائب العام للمدير


    عدد الرسائل : 726
    تاريخ التسجيل : 29/04/2008

    كتاب الأغاني الجزء الأول Empty كتاب الأغاني الجزء الأول

    مُساهمة  djalal-dz 26/5/2008, 03:17

    الأغاني - (ج 1 / ص 1)

    الجزء الأول



    بسم الله الرحمن الرحيم


    ذكر المائة الصوت المختارة
    إجماع المغنين على اختيار الأصوات الثلاثة
    الشاملة لجميع نغم الغناء أخبرنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن أباه أخبره أن الرشيد - رحمة الله عليه - أمر المغنين، وهم يومئذ متوافرون، أن يختاروا له ثلاثة أصوات من جميع الغناء، فأجمعوا على ثلاثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء الله.
    قال إسحاق: فجرى هذا الحديث يوماً وأنا عند أمير المؤمنين الواثق بالله، فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم، فاخترت له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته وإحكام صنعته، ونسبته إلى من شدا به، ثم نظرت إلى ما أحدث الناس بعد ممن شاهدناه في عصرنا وقبيل ذلك، فاجتبيت منه ما كان مشبهاً لما تقدم أو سالكاً طريقه، فذكرته ولم أبخسه ما يجب له وإن كان قريب العهد؛ لأن الناس قد يتنازعون الصوت في كل حين وزمان، وإن كان السبق للقدماء إلى كل إحسان.
    وأخبرني أحمد بن جعفرٍ جحظة قال حدثني هارون بن الحسن بن سهل وأبو العبيس بن حمدون وابن دقاق وهو محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر، فزعم: أن الرشيد أمر هؤلاء المغنين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها، ثم أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها، ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا. وذكر نحو ما ذكره يحيى بن علي، ووافقه في صوت من الثلاثة الأصوات، وخالفه في صوتين. وذكر يحيى بن علي بإسناده المذكور أن منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة وهو من خفيف الثقيل الأول:
    القصر فالنخل فالجماء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
    ولحن ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة، ولحنه من الثقيل الثاني:
    تشكى الكميت الجري لما جهدته ... وبين لو يسطيع أن يتكلما
    ولحن ابن محرزٍ في شعر نصيب، وهو من الثقيل الثاني أيضاً:
    أهاج هواك المنزل المتقادم؟ ... نعم، وبه ممن شجاك معالم
    وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون، وهو من الثقيل الثاني:
    إذا ما طواك الدهر يا أم مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشانيا
    ولحن إبراهيم الموصلي في شعر العرجي، وهو من خفيف الثقيل الثاني:
    إلى جيداء قد بعثوا رسولا ... ليحزنها، فلا صحب الرسول
    ولحن ابن محرز في شعر نصيب، وهو على ما ذكر هزج:
    أهاج هواك المنزل المتقادم؟ ... نعم، وبه ممن شجاك معالم
    وحكى عن أصحابه أن هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقى نغمةٌ في الغناء إلا وهي فيها.
    رواية أن المغنين أجمعوا على صوت واحد من هذه الثلاثة وتفنيد أبي الفرج لهذه الرواية أخبرني الحسن بن علي الأدمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدثني محمد بن جبر المغني قال حدثني إبراهيم بن المهدي: أن الرشيد أمر المغنين أن يختاروا له أحسن صوت غني فيه، فاختاروا له لحن ابن محرز في شعر نصيب:
    أهاج هواك المنزل المتقادم؟
    قال: وفيه دور كثير، أي صنعة كثيرة. والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن علي أصح عندي. ويدل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها والأصوات الأخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من العمل، وأن الأخرى ليست مثلها ولا قريبةً منها. وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أن فيها صوتاً لإبراهيم الموصلي، وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد، وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء، وليس أحد منهما دونه إن لم يفقه، فكيف يمكن أن يقال: إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحنٍ من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضلت عليها! ألم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدم والحذق والرياسة وليس هو كذلك عندهما؟ ولقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن حماد بن إسحاق عن أبيه:

    الأغاني - (ج 1 / ص 2)
    أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوماً مسلماً، فقال له أبوه: يا بني، ما أعلم أحداً بلغ من بر ولده ما بلغته من برك، وإني لأستقل ذلك لك، فهل من حاجةٍ أصير فيها إلى محبتك؟ قلت: قد كان - جعلت فداك - كل ما ذكرت فأطال الله لي بقاءك، ولكني أسالك واحدةً: يموت هذا الشيخ غداً أو بعد غد ولم أسمعه، فيقول الناس لي ماذا وأنا أحل منك هذا المحل. قال لي: ومن هو؟ قلت: ابن جامع. قال: صدقت يا بني، أسرجوا لنا. فجئنا ابن جامع، فدخل علينا أبي وأنا معه، فقال: يا أبا القاسم، قد جئتك في حاجة، فإن شئت فاشتمني، وإن شئت فاقذفني، غير أنه لا بد لك من قضائها. هذا عبدك وابن أخيك إسحاق قال لي كذا وكذا، فركبت معه أسالك أن تسعفه فيما سأل. فقال: نعم، على شريطةٍ: تقيمان عندي أطعمكما مشوشةً وقلية وأسقيكما من نبيذي التمري وأغعيب عليكما، فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه وإلا أقمنا يومنا. فقال أبي: السمع والطاعة، وأمر بالدواب فردت. فجاءنا ابن جامع بالمشوشة والقلية ونبيذه التمري فأكلنا وشربنا، ثم اندفع فغنانا، فنظرت إلى أبي يقل في عيني ويعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كلا شيء. فلما طربنا غاية الطرب جاء رسول الخليفة فركبا وركبت معهما. فلما كنا في بعض الطريق قال لي أبي: كيف رأيت ابن جامع يا بني؟ قلت له: أو تعفيني جعلت فداك! قال: لست أعفيك فقل. فقلت له: رأيتك ولا شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كلا شيء. ثم مضيا إلى الرشيد، وانصرفت إلى منزلي؛ وذلك لأني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد. فلما أصبحت أرسل إلي أبي فقال: يا بني، هذا الشتاء قد هجم عليك وأنت تحتاج فيه إلى مؤنة وإذا مالٌ عظيمٌ بين يديه، فاصرف هذا المال في حوائجك. فقمت فقبلت يده ورأسه وأمرت بحمل المال واتبعته، فصوت بي: يا إسحاق ارجع، فرجعت. فقال لي: أتدري لم وهبت لك هذا المال؟ قلت: نعم، جعلت فداك! قال: لم؟ قلت: لصدقي فيك وفي ابن جامع. قال: صدقت يا بني، امض راشداً. ولهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا الموضع متفرقةً في أماكن تحسن فيها ولا يستغني بما ذكرها هنا عنها. فإبراهيم يحل ابن جامع هذا المحل مع ما كان بينهما من المنافسة والمفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتاً لنفسه يكون مقدماً على سائر الغناء، ويطابقه هو وفليح عليه! هذا خطأ لا يتخيل. وعلى ما به فإنا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن علي، بعد ذكرنا ما رواه يحيى، ثم نتبعهما باقي الاختيار. فأول ذلك من رواية أبي الحسن علي بن يحيى.
    الكلام على أحد هذه الأصوات الثلاثة
    صوت فيه لحنان
    القصر فالنخل فالجماء بينهما ... أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
    إلى البلاط فما حازت قرائنه ... دورٌ نزحن عن الفحشاء والهون
    قد يكتم الناس أسراراً فأعلمها ... ولا ينالون حتى الموت مكنوني
    عروضه من أول البسيط. القصر الذي عناه هاهنا: قصر سعيد بن العاص بالعرصة. والنخل الذي عناه: نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجماء وهي أرض كانت له، فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد، ابتاعه من ابنه عمرو باحتمال دينه عنه؛ ولذلك خبرٌ يذكر بعد. وأبواب جيرون بدمشق. ويروى: " حاذت قرائنه " من المحاذاة. والقرائن: دور كانت لبني سعيد بن العاص متلاصقة؛ سميت بذلك لاقترانها. ونزحن: بعدن، والنازح: البعيد؛ يقال: نزح نزوحاً. والهون: الهوان. قال الراجز:
    لم يبتذل مثل كريمٍ مكنون ... أبيض ماضٍ كالسنان المسنون
    كان يوقى نفسه من الهون
    والمكنون: المستور الخفي، وهو مأخوذ من الكن. الشعر لأبي قطيفة المعيطي، والغناء لمعبد، وله فيه لحنان: أحدهما خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق وهو اللحن المختار، والآخر ثقيلٌ أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.
    خبر أبي قطيفة
    نسبه
    هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. هذا الذي عليه النسابون.

    الأغاني - (ج 1 / ص 3)
    وذكر الهيثم بن عدي في " كتاب المثالب " أن أبا عمرو بن أمية كان عبداً لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه. وذكر أن دغفلاً النسابة دخل على معاوية فقال له: من رأيت من علية قريش؟ فقال: رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس. فقال: صفهما لي. فقال: كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه، في جبينه نور النبوة وعز الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال: فصف أمية. قال: رأيته شيخاً قصيراً نحيف الجسم ضريراً يقوده عبده ذكوان. فقال: مه، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال: هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه، وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به. ثم نعود إلى سياقة النسب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. والنضر عند أكثر النسابين أصل قريش، فمن ولده النضر عد منهم، ومن لم يلده فليس منهم. وقال بعض نسابي قريش: بل فهر بن مالك " أصل " قريش، فمن لم يلده فليس من قريش. ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وولد إلياس يقال لهم خندف، سموا بأمهم خندف وهو لقبها، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وهي أم مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب - وقيل: أشجب - بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم، هذا النسب الذي رواه نسابو العرب وروي عن ابن شهاب الزهري وهو من علماء قريش وفقهائها.
    وقام قوم آخرون من النسابين ممن أخذ - فيما يزعم - عن دغفل وغيره: معد بن عدنان بن أدد بن آمين بن شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سرائج بن ملحم بن العوام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن علة ابن شحدود بن الضرب بن عيفر بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن الرائد بن بدوان بن أمامة بن دوس بن حصين بن النزال بن الغمير بن محشر بن معذر بن صيفي بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهما وعلى أنبيائه أجمعين وسلم تسليماً. ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما ذكره الله تعالى في كتابه، وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور، وقيل: الناحر بن الشارع وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح بن فالغ - وهو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها - بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم ابن لامك وهو في لغة العرب ملكان ابن المتوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبي الله عليه السلام بن يارد وهو الرائد بن مهلايل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيثٍ وهو هبة الله. يقال له أيضاً شاث بن آدم أبي البشر صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلم تسليماً. هذا الذي في أيدي الناس من النسب على اختلافهم فيه.
    وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تكذيبٌ للنسابين ودفعٌ لهم. وروي أيضاً خلافٌ لأسماء بعض الأباء. وقد شرحت ذلك في " كتاب النسب " شرحاً يستغنى به عن غيره.
    ذكر العنابس والأعياص
    من بني أمية وأن أبا قطيفة من الأولين
    وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية. وكان لأمية من الولد أحد عشر ذكراً، كل واحد منهم يكنى باسم صاحبه، وهم العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، وعمرو وأبو عمرو، وحرب وأبو حرب، وسفيان وأبو سفيان، والعويص لا كنى له. فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرمي بن أبي العلاء - واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق، والطوسي - واسمه أحمد بن سليمان - قالا: حدثنا العيب عليكر بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه قال: الأعياص: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص والعُويص. ومنهم العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو. وإنما سموا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتالاً شديداً فشبهوا بالأسد، والأسد يقال لها العنابس، واحدها عنبسة. وفي الأعياص يقول عبد الله بن فضالة الأسدي:
    من الأعياص أو من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد
    والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة، وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، قال: حدثنا المدائني وابن غزالة، قالوا:

    الأغاني - (ج 1 / ص 4)
    أتى عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير، فقال له: نفدت نفقتي ونقبت راحلتي. قال: فأحضرها، فقال... أقبل بها، أدبر بها، ففعل. فقال: ارقعها بسبتٍ واخصفها بهلبٍ وأنجد بها يبرد خفها وسر البردين تصح. فقال ابن فضالة: إني أتيتك مستحملاً ولم آتك مستوصفاً، فلعن الله ناقةً حملتني إليك! قال ابن العيب عليكر: إن وراكبها. فانصرف عنه ابن فضالة وقال:
    أقول لغلمتي شدوا ركابي ... أجاوز بطن مكة في سواد
    فما لي حين أقطع ذات عرقٍ ... إلى ابن الكاهلية من معاد
    سيبعد بيننا نص المطايا ... وتعليق الأداوى والمزاد
    وكل معبدٍ قد أعلمته ... مناسمهن طلاع النجاد
    أرى الحاجات عند أبي خبيبٍ ... نكدن ولا أمية بالبلاد
    من الأعياص أو من آل حرب ... أغر كغرة الفرس الجواد
    أبو خبيب: عبد الله بن الزبير، كان يكنى أبا بكر. وخبيب: ابن له هو أكبر ولده، ولم يكن يكنيه به إلا من ذمه، يجعله كاللقب له. قال: فقال ابن العيب عليكر لما بلغه هذا الشعر: علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته. قال اليزيدي: " إن " ها هنا بمعنى نعم، كأنه إقرارٌ بما قال. ومثله قول ابن قيس الرقيات:
    ويقلن شيبٌ قد علا ... ك وقد كبرت فقلت إنه
    عود إلى نسب أبي قطيفة
    وأم أبي معيطٍ آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ولها يقول نابغة بني جعدة:
    وشاركنا قريشاً في تقاها ... وفي أنسابها شرك العنان
    بما ولدت نساء بني هلالٍ ... وما ولدت نساء بني أبان
    وكانت آمنة هذه تحت أمية بن عب شمس، فولدت له العاص وأبا العاص وأبا العيص والعويص وصفية وتوبة وأروى بني أمية. فلما مات أمية تزوجها بعده ابنه أبو عمرو - وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، يتزوج الرجل امرأة ابيه بعده - فولدت له أبا معيطٍ، فكان بنو أمية من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته، أخبرني بذلك كله الطوسي عن العيب عليكر بن بكار.
    قال العيب عليكر: وحدثني عمي مصعب قال: زعموا أن ابنها أبا العاص زوجها أخاه أبا عمرو، وكان هذا نكاحاً تنكحه الجاهلية. فأنزل الله تعالى تحريمه، قال الله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً " ، فسمي نكاح المقت.
    مقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث
    وما قالته قتيلة بنت الحارث من الشعر ترثي أخاها وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً. حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويلٍ، وحدثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري، قالوا جميعاً.
    قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً. فقال له - وقد أمر بذلك فيه - : يا محمد، أأنا خاصةً من قريش؟ قال نعم. قال: فمن للصبية بعدي؟ قال: النار. فلذلك يسمى بنو أبي معيط صبية النار. واختلف في قاتله، فقيل: إن علي بن أبي طالب تولى قتله. وهذا من رواية بعض الكوفيين، حدثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: أخبرني المنذر بن محمد اللخمي قال حدثنا سليمان بن عباد قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدني عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. وروى ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري قتله، وأن الذي قتله علي بن أبي طالب النضر بن الحارث بن كلدة.
    أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الحسن بن عثمان قال حدثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه، وحدثنا محمد بن جرير قال حدثنا " أحمد " بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه، قالوا:
    djalal-dz
    djalal-dz
    النائب العام للمدير
    النائب العام للمدير


    عدد الرسائل : 726
    تاريخ التسجيل : 29/04/2008

    كتاب الأغاني الجزء الأول Empty رد: كتاب الأغاني الجزء الأول

    مُساهمة  djalal-dz 26/5/2008, 03:18

    الأغاني - (ج 1 / ص 5)
    قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبراً: أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب " الصفراء " قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار، أمر علياً أن يضرب عنقه، قال عمر بن شبة في حديثه ب " الأثيل " ، فقالت أخته قتيلة بنت الحارث ترثيه:
    يا راكباً إن الأثيل مظنةٌ ... من صبح خامسةٍ وأنت موفق
    أبلغ به ميتاً بأن تحيةً ... ما إن تزال بها النجائب تخفق
    مني إليك وعبرةً مسفوحةً ... جادت بدرتها وأخرى تخنق
    هل يسمعن النمضر إن ناديته ... إن كان يسمع هالك لا ينطق
    ظلت سيوف بني أبيه تنوشه ... لله أرحامٌ هناك تشقق
    صبراً يقاد إلى المنية متعباً ... رسف المقيد وهو عانٍ موثق
    أمحمدٌ ولأنت نسل نجيبةٍ ... في قومها والفحل فحلٌ معرق
    ما كان ضرك لو مننت وربما ... من الفتى وهو المغيظ المحنق
    أو كنت قابل فديةٍ فليأتين ... بأعز ما يغلو لديك وينفق
    والنضر أقرب من أخذت بزلةٍ ... وأحقهم إن كان عتقٌ يعتق
    فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته " . فيقال: إن شعرها أكرم شعر موتورةٍ وأعفه وأكفه وأحلمه. قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيطٍ. قال حين أمر به أن يقتل: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار. فقلته عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف.
    حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدمي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن العيب عليكر قال: سألت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخنقه به خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر - رحمة الله عليه - حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله!
    ولاية الوليد بن عقبة الكوفة
    في خلافة عثمان ثم عزله عنها وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لأمه، أمهما أروى بنت عامر بن كريز، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. والبيضاء وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم توءمان. وكان عقبة بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفان، فولدت له الوليد وخالداً وعمارة وأم كلثوم، كل هؤلاء إخوة عثمان لأمه. وولي عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة، فشرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة، وشهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحد. وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه.
    وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد. وأبو قطيفة لقبٌ لقب به. وأمه بنت الربيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة.
    نفي ابن العيب عليكر أبا قطيفة
    فيمن نقله عن المدينة في وقعة الحرة
    قال أبو قطيفة هذا الشعر حين نفاه ابن الزبير مع بني أمية عن المدينة، مع نظائر له تشوقاً إليها. حدثني بالسبب في ذلك أحمد بن محمد بن شبيب بن أبي شيبة البزار، قال حدثنا أحمد بن الحارث الخراز عن المدائني، وأخبرني ببعضه أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا أحمد بن زهير بن حرب قال حدثني أبي قال حدثني وهب بن جرير عن أبيه في كتابه المسمى " كتاب الأزارقة " ، ونسخت بعضه من كتابٍ منسوبٍ إلى الهيثم بن عدي. واللفظ للمدائني في الخبر ما اتسق، فإذا انقطع أو اختلف نسبت الخلاف إلى راويه. قال الهيثم بن عدي أخبرنا ابن عياش عن مجالد عن الشعبي وعن ابن أبي الجهم ومحمد بن المنتشر: خروج ابن العيب عليكر على بني أمية ووفد يزيد بن معاوية له

    الأغاني - (ج 1 / ص 6)
    أن الحسين بن علي بن أبي طالب لما سار إلى العراق، شمر ابن الزبير للأمر الذي أراده ولبس المعافري وشبر بطنه وقال: إنما بطني شبر، وما عسى أن يسع الشبر! وجعل يظهر عيب بني أمية ويدعو إلى خلافهم. فأمهله يزيد سنةً، ثم بعث إليه عشرةً من أهل الشأم عليهم النعمان بن بشير. وكان أهل الشأم يسمون أولئك العشرة النفر الركب، منهم عبد الله بن عضاه الأشعري، وروح بن زنباع الجذامي، وسعد بن حمزة الهمداني، ومالك بن هبيرة السكوني، وأبو كبشة السكسكي، وزمل بن عمرو العذري، وعبد الله بن مسعود، وقيل: ابن مسعدة الفزاي، وأخوه عبد الرحمن، وشريك بن عبد الله الكناني، وعبد الله بن عامر الهمداني، وجعل عليهم، النعمان بن بشير، فأقبلوا حتى قدموا مكة على عبد الله بن الزبير، وكان النعمان يخلو به في الحجر كثيراً. فقال له عبد الله بن عضاةٍ يوماً: يا ابن الزبير، إن هذا الأنصاري والله ما أمر بشيء إلا وقد أمرنا بمثله إلا أنه قد أمر علينا، إني والله ما أدري ما بين المهاجرين والأنصار. فقال ابن الزبير: يا ابن عضاه، مالي ولك! إنما أنا بمنزلة حمامة من حمام مكة، أفكنت قاتلاً حماماً من حمام مكة؟ قال: نعم، وما حرمة حمام مكة! يا غلام، ائتني بقوسي وأسهمي، فأتاه بقوسه وأسهمه، فأخذ سهماً فوضعه في كبد القوس ثم سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة، أيشرب يزيد بن معاوية الخمر؟ قولي نعم، فوالله: لئن فعلت لأرمينك. يا حمامة، أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك؟ والله لئن فعلت لأرمينك. فقال ابن الزبير: ويحك! أويتكلم الطائر؟ قال: لا! ولكنك يا ابن الزبير تتكلم. أقسم بالله لتبايعن طائعاً أو مكرهاً أو لتتعرفن راية الأشعريين في هذه البطحاء، ثم لا أعظم من حقها ما تعظم. فقال ابن الزبير: أوتستحل الحرم! قال: إنما يستحله من ألحد فيه. فحبسهم شهراً ثم ردهم إلى يزيد بن معاوية ولم يجبه إلى شيء. وفي رواية أحمد بن الجعد: وقال بعض الشعراء - وهو أبو العباس الأعمى، واسمه السائب بن فروخ يذكر ذلك وشبر ابن العيب عليكر بطنه - :
    مازال في سورة الأعراف يدرسها ... حتى بدا لي مثل الخز في اللين
    لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد ... أفضلت فضلاً كثيراً للمساكين
    قال الهيثم: ثم إن ابن الزبير مضى إلى صفية بنت أبي عبيد زوجة عبد الله بن عمر، فذكر لها أن خروجه كان غضباً لله تعالى ورسوله - عليه السلام - والمهاجرين والأنصار من أثرة معاوية وابنه " وأهله " بالفيء، وسألها مسألته أن يبايعه. فلما قدمت له عشاءه ذكرت له أمر ابن الزبير واجتهاده، وأثنت عليه وقالت: ما يدعو إلا إلى طاعة الله جل وعز، وأكثرت القول في ذلك. فقال لها: أما رأيت بغلات معاوية اللواتي كان يحج عليهن الشهب، فإن ابن الزبير ما يريد غيرهن! قال المدائني في خبره: وأقام ابن الزبير على خلع يزيد ومالأه على ذلك أكثر الناس. فدخل عليه عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة وأهل المدينة المسجد وأتوا المنبر فخلعوا يزيد. فقال عبد الله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي: خلعت يزيد كما خلعت عمامتي، ونزعها عن رأسه وقال: إني لأقول هذا وقد وصلني وأحسن جائزتي، ولكن عدو الله سكير خمير. وقال آخر: خلعته كما خلعت نعلي. وقال آخر: خلعته كما خلعت ثوبي. وقال آخر: قد خلعته كما خلعت خفي، حتى كثرت العمائم والنعال والخفاف، وأظهروا البراءة منه وأجمعوا على ذلك، وامتنع منه عبد الله بن عمر ومحمد بن علي بن أبي طالب وجرى بين محمد خاصةً وبين أصحاب ابن الزبير فيه قولٌ كثير، حتى أرادوا إكراهه على ذلك، فخرج إلى مكة، وكان هذا أول ما هاج الشر بينه وبين ابن العيب عليكر.
    وقعة الحرة

    الأغاني - (ج 1 / ص 7)
    قال المدائني: واجتمع أهل المدينة لإخراج بني أمية عنها، فأخذوا عليهم العهود ألا يعينوا عليهم الجيش، وأن يردوهم عنهم، فإن لم يقدروا على ردهم لا يرجعوا إلى المدينة معهم. فقال لهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان: أنشدكم الله في دمائكم وطاعتكم! فإن الجنود تأتيكم وتطؤكم، وأعذر لكم ألا تخرجوا أميركم، إنكم إن ظفرتم وأنا مقيمٌ بين أظهركم فما أيسر شأني وأقدركم على إخراجي! وما أقول هذا إلا نظراً لكم أريد به حقن دمائكم. فشتموه وشتموا يزيد، وقالوا: لا نبدأ إلا بك، ثم نخرجهم بعدك. فأتى مروان عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن هؤلاء القوم قد ركبونا بما ترى، فضم عيالنا. فقال: لست من أمركم وأمر هؤلاء في شيء. فقام مروان وهو يقول: قبح الله هذا أمراً وهذا ديناً. ثم أتى علي بن الحسين فسأله أن يضم أهله وثقله ففعل، ووجههم وامرأته أم أبان بنت عثمان إلى الطائف ومعها ابناه: عبد الله ومحمد. فعرض حريثٌ رقاصة - وهو مولى لبني بهز من سليم كان بعض عمال المدينة قطع رجله فكان إذا مشى كأنه يرقص، فسمي رقاصة - لثقل مروان وفيه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فضربته بعضاً فكادت تدق عنقه، فولى ومضى. ومضوا إلى الطائف وأخرجوا بني أمية. فحس بهم سليمان بن أبي الجهم العدوي وحريث رقاصة، فأراد مروان أن يصلي بمن معه فمنعوه، وقالوا: لا يصلي والله بالناس أبداً، ولكن إن أراد أن يصلي بأهله فليصل، فصلى بهم ومضى. فمر مروان بعبد الرحمن بن أزهر الزهري، فقال له: هلم إلي يا أبا عبد الملك، فلا يصل إليك مكروه ما بقي رجلٌ من بني زهرة. فقال له: وصلتك رحمٌ، قومنا على أمرٍ فأكره أن أعرضك لهم. وقال ابن عمر بعد ذلك - لما أخرجوا وندم على ما كان قاله لمروان - : لو وجدت سبيلاً إلى نصر هؤلاء لفعلت، فقد ظلموا وبغي عليهم. فقال ابنه سالم: لو كلمت هؤلاء القوم! فقال: يا بني، لا ينزع هؤلاء القوم عما هم عليه، وهم بعين الله، إن أراد أن يغير غير. قال: فمضوا " إلى ذي خشبٍ " ، وفيهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان والوليد بن عتبة بن أبي سفيان، واتبعهم العبيد والصبيان والسفلة يرمونهم. ثم رجع حريث رقاصة وأصحابه إلى المدينة، وأقامت بنو أمية ب " ذي خشب " عشرة أيام، وسرحوا حبيب بن كرة إلى يزيد بن معاوية يعلمونه، وكتبوا إليه يسالونه الغوث. وبلغ أهل المدينة أنهم وجهوا رجلاً إلى يزيد، فخرج محمد بن عمرو بن حزم ورجل من بني سليم من بهز وحريث رقاصة وخمسون راكباً فأزعجوا بني أمية منها، فنخس حريثٌ بمروان فكاد يسقط عن ناقته، فتأخر عنها وزجرها وفقال: اعلي واسلمي. فلما كانوا " بالسويداء " عرض لهم مولى لمروان، فقال: جعلت فداك! لو نزلت فأرحت وتغديت! فالغداء حاضر كثير قد أدرك. فقال: لا يدعني رقاصة وأشباهه، وعسى أن يمكن الله منه فتقطع يده. ونظر مروان إلى ماله ب " ذي خشب " فقال: لا مال إلا ما أحرزته العياب فمضوا فنزلوا حقيلاً أو وادي القرى، وفي ذلك يقول الأحوص:
    لا ترثين لحزميٍّ رأيت به ... ضراً ولو سقط الحزمي في النار
    الناخسين بمروانٍ بذي خشبٍ ... والمقحمين على عثمان في الدار
    قال المدائني: فدخل حبيب بن كرة على يزيد - وهو واضعٌ رجله في طستٍ لوجع كان يجده - بكتاب بني أمية وأخبره الخبر. فقال: أما كان بنو أمية ومواليهم ألف رجل؟ قال: بلى! وثلاثة آلاف. قال: أفعجزوا أن يقاتلوا ساعة من نهار؟ قال: كثرهم الناس ولم تكن لهم بهم طاقةٌ. فندب الناس وأمر عليهم صخر بن أبي الجهم القيني، أحداً إلا قصر وما صاحبهم غيري، إني رأيت في منامي شجرة غرقدٍ تصيح: على يدي مسلم، فأقبلت نحو الصوت فسمعت قائلاً يقول: أدرك ثأرك أهل المدينة قتلة عثمان فخرج مسلمٌ وكان من قصة الحرة ما كان على يده، وليس هذا موضعه. فقال أبو قطيفة في ذلك - لما أخرجوا عن المدينة - :
    صوت من غير المائة فيه لحنان
    شعر أبي قطيفة في تشوقه إلى المدينة
    بكى أحدُ لما تحمل أهله ... فكيف بذي وجد من القوم آلف
    من أجل أبي بكرٍ جلت عن بلادها ... أمية، والأيام ذات تصارف

    الأغاني - (ج 1 / ص
    عروضه من الطويل، وفيه ثقيلٌ أول. والغناء لسائب خائرٍ، خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى، ذكر ذلك حمادٌ عن أبيه، وذكر أن فيه لحناً آخر لأهل المدينة لا يعرف صاحبه. قال الهيثم في خبره: وقال أبو العباس الأعمى في ذلك:
    قد حل في دار البلاط مجوعٌ ... ودار أبي العاص التميمي حنتف
    فلم أر مثل الحي حين تحملوا ... ولا مثلنا عن مثلهم يتنكف
    وقال أبو قطيفة أيضاً: من غير المائة فيه ثلاث ألحان
    بكى أحدٌ لما تحمل أهله ... فسلعٌ فدار المال أمست تصدع
    وبالشأم إخواني وجل عشيرتي ... فقد جعلت نفسي إليهم تطلع
    عروضه من الطويل. غنى فيه دحمان، ولحنه ثقيلٌ أول بإطلاق الوتر في مجرى البنصر من رواية إسحاق. وفيه لمعبد ثقيلٌ أول بالوسطى من رواية حبش. وذكر إسحاق أن فيه لحناً في خفيف الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر مجهول الصانع. وقال أبو قطيفة أيضاً: صوت من غير المائة المختارة
    ليت شعري: هل البلاط كعهدي ... والمصلى إلى قصور العقيق؟
    لامني في هواك يا أم يحيى ... من مبينٍ بغشه أو صديق
    عروضه من الخفيف. غناه معبد ويقال دحمان، ولحنه ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى الوسطى، وذكر إسحاق أنه لا يعرف صاحبه.
    حدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني محمد بن يونس بن الوليد قال: كان ابن العيب عليكر قد نفى أبا قطيفة مع من نفاه من بني أمية عن المدينة إلى الشأم، فلما طال مقامه بها قال:
    ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ... قباءٌ وهل زال العقيق وحاضره؟
    وهل برحت بطحاء قبر محمدٍ ... أراهط غرٌ من قريشٍ تباكره
    لهم منتهى حبي وصفو مودتي ... ومحض الهوى مني وللناس سائره
    قال وقال أيضاً: صوت من غير المائة المختارة
    ليت شعري وأين مني ليت ... أعلى العهد يلبنٌ فبرام؟
    أم كعهدي العقيق أم غيرته ... بعدي الحادثات والأيام؟
    وبأهلي بدلت عكا ولخماً ... وجذاماً، وأين مني جذام!
    وتبدلت من مساكن قومي ... والقصور التي بها الآطام
    كل قصرٍ مشيدٍ ذي أواسٍ ... يتغنى على ذراه الحمام
    إقر مني السلام إن جئت قومي ... وقليلٌ لهم لدي السلام
    عروضه من الخفيف، غناه معبد، ولحنه ثقيلٌ بالخنصر في مجرى البنصر. و " يلبن " و " برام " : موضعان. والآطام: جمع أطم، وهي القصور والحصون. وقال الأصمعي: الآطام: الدور المسطحة السقوف. وفي رواية ابن عمار: " ذي أواشٍ " بالشين معجمةً، كأنه أراد به أن هذه القصور موشيةٌ أي منقوشة. ورواه إسحاق: " أواس " بالسين غير معجمة، وقال: واحدها آسيٌّ، وهو الأصل. قال ويقال: فلانٌ في آسية، أي في أصله. والآسي والأساس واحد. وذرا كل شيء: أعاليه، وهو جمعٌ، واحدته ذروة. ويروى:
    أبلغن السلام إن جئت قومي
    وروى العيب عليكر بن بكار هذه الأبيات لأبي قطيفة، وزاد فيها:
    أقطع الليل كله باكتئابٍ ... وزفيرٍ فما أكاد أنام
    نحو قومي إذ فرقت بيننا الدا ... ر وحادت عن قصدها الأحلام
    خشيةً أن تصيبهم عنت الده ... ر وحربٌ يشيب منها الغلام
    فلقد حان أن يكون لهذا الده ... ر عنا تباعدٌ وانصرام
    عفو ابن الزبير عن أبي قطيفة وعودته إلى المدينة وموته حين وصوله إليها رجع الخبر إلى سياقته من رواية ابن عمار. وأخبرنا بمثله من هذا الموضع الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن الحزامي، وهو إبراهيم بن المنذر، عن مطرف بن عبد الله المدني قالا: إن ابن العيب عليكر لما بلغه شعر أبي قطيفة هذا قال: حن والله أبو قطيفة وعليه السلام ورحمة الله، من لقيه فليخبره أنه آمنٌ فليرجع. فأخبر بذلك فانكفأ إلى المدينة راجعاً، فلم يصل إليها حتى مات. قال ابن عمار: فحدثت عن المدائني أن امرأةً من أهل المدينة تزوجها رجل من أهل الشأم، فخرج بها إلى بلده على كرهٍ منها، فسمعت منشداً ينشد شعر أبي قطيفة هذا، فشهقت شهقةً وخرت على وجهها ميتةً، هكذا ذكر ابن عمار في خبره.

    الأغاني - (ج 1 / ص 9)
    وأخبرني الحسين بن يحيى قال قال حماد: قرأت على أبي عن أيوب بن عباية قال قال حدثني سعيد بن عائشة مولى آل المطلب بن عبد مناف قال: خرجت امرأة من بني زهرة في خفٍ، فرآها رجل من بني عبد شمس من أهل الشأم فأعجبته، فسأل عنها فنسبت له، فخطبها إلى أهلها فزوجوه إياها بكرهٍ منها، فخرج بها إلى الشأم. " وخرجت مخرجاً " ، فسمعت متمثلاً يقول: صوت من غير المائة المختارة
    ألا ليت شعري هل تغير بعدنا ... جبوب المصلى أم كعهدي القرائن؟
    وهل أدؤرٌ حول البلاط عوامرٌ ... من الحي أم هل بالمدينة ساكن؟
    إذا برقت نحو الحجاز سحابةٌ ... دعا الشوق مني برقها المتيامن
    فلم أتركنها رغبةً عن بلادها ... ولكنه ما قدر الله كائن
    عروضه من الطويل، يقال: إن لمعبد فيه لحناً، قال: فتنفست بين النساء فوقعت ميتة. قال أيوب: فحدثت بهذا الحديث عبد العزيز بن أبي ثابت الأعرج فقال: أتعرفها؟ قلت لا. قال: هي والله عمتي حميدة بنت عمر بن عبد الرحمن بن عوف.
    أخبرنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا الرياشي قال: أخبرني ابن عائشة، قال: لما أجلى ابن العيب عليكر بني أمية عن الحجاز قال أيمن بن خريم الأسدي:
    كأن بني أمية يوم راحوا ... وعري عن منازلهم صرار
    شماريخ الجبال إذا تردت ... بزينتها وجادتها القطار
    وأخبرني الحسن بن علي الخفاف، قال: حدثنا بن محمد سعدٍ الكراني، قال: حدثنا العمري عن العتبى قال: كتب أبو قطيفة عمرو بن الوليد بن عقبة إلى أبيه وهو متولي الكوفة لعثمان بن عفان:
    من مبلغٌ عني الأمير بأنني ... أرقٌ بلا داء سوى الإنعاظ
    إن لم تغثني خفت إثمك أو أرى ... في الدار محدوداً بزرق لحاظ
    يعني دار عثمان التي تقام فيها الحدود. فابتاع له جارية بالكوفة وبعث بها إليه. أخبرني عبد الله بن محمد الرازي، قال: حدثنا الخراز عن المدائني، قال: كان أبو قطيفة من شعراء قريش، وكان ممن نفاه ابن العيب عليكر مع بني أمية إلى الشأم، فقال في ذلك:
    وما أخرجتنا رغبةٌ عن بلادنا ... ولكنه ما قدر الله كائن
    أحن إلى تلك الوجوه صبابةً ... كأني أسير في السلاسل راهن
    وكان يتحرق على المدينة، فأتى عباد بن زياد ذات يوم عبد الملك فقال له: إن خاله أخبره أن العراقين قد فتحا. فقال عبد الملك لأبي قطيفة لما يعلمه من حبه المدينة: أما تسمع ما يقوله عباد عن خاله؟ قد طابت لك المدينة الآن. فقال أبو قطيفة:
    إني لأحمق من يمشي على قدمٍ ... إن غرني من حياتي خال عباد
    أنشا يقول لنا المصران قد فتحا ... ودون ذلك يومٌ شره بادي
    قال: وأذن له ابن العيب عليكر في الرجوع، فرجع فمات في طريقه.
    قصر سعيد بن العاص بالعرصة
    وشيء من أخباره وأما خبر القصر الذي تقدم ذكره وبيعه من معاوية، فأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال ذكر مصعب بن عمار بن مصعب بن عروة بن العيب عليكر: أن سعيد بن العاص لما حضرته الوفاة وهو في قصره هذا، قال له ابنه عمرو: لو نزلت إلى المدينة! فقال:
    djalal-dz
    djalal-dz
    النائب العام للمدير
    النائب العام للمدير


    عدد الرسائل : 726
    تاريخ التسجيل : 29/04/2008

    كتاب الأغاني الجزء الأول Empty رد: كتاب الأغاني الجزء الأول

    مُساهمة  djalal-dz 26/5/2008, 03:20


    الأغاني - (ج 1 / ص 10)
    يا بني، إن قومي لن يضنوا علي بأن يحملوني على رقابهم ساعةً من نهار، وإذا أنا مت فآذنهم، فإذا واريتني فانطلق إلى معاوية فانعني له، وانظر في ديني، واعلم أنه سيعرض عليك قضاءه فلا تفعل، واعرض عليه قصري هذا، فإني إنما اتخذته نزهةً وليس بمال. فلما مات آذن به الناس، فحملوه من قصره حتى دفن بالبقيع، ورواحل عمرو بن سعيد مناخة، فعزاه الناس على قبره وودعوه، فكان هو أول من نعاه لمعاوية، فتوجع له وترحم عليه، ثم قال: هل ترك ديناً؟ قال: نعم. " قال: كم هو؟ قال: " ثلثمائة ألف " درهم " . قال: هي علي. قال: قد ظن ذلك وأمرني ألا أقبله منك، وأن أعرض عليك بعض ماله فتبتاعه فيكون قضاء دينه منه. قال: فاعرض " علي " . قال: قصره بالعرصة. قال: قد أخذته بدينه. قال: هو لك على أن تحملها إلى المدينة وتجعلها بالوافية. قال: نعم. فحملها له إلى المدينة وفرقها في غرمائه، وكان أكثرها عداتٍ. فأتاه شابٌ من قريش بصك فيه عشرون ألف درهم بشهادة سعيدٍ على نفسه وشهادة مولىً له عليه. فأرسل إلى المولى فأقرأه الصك، فلما قرأه بكى وقال: نعم هذا خطه وهذه شهادتي عليه. فقال له عمرو: من أين يكون لهذا الفتى عليه عشرون ألف درهم وإنما هو صعلوك من صعاليك قريش؟ قال: أخبرك عنه، مر سعيدٌ بعد عزله، فاعترض له هذا الفتى ومشى معه حتى صار إلى منزله، فوقف له سعيد فقال: ألك حاجةٌ؟ قال: لا، إلا أني رأيتك تمشي وحدك فأحببت أن أصل جناحك. فقال لي: ائتني بصحيفة، فأتيته بهذه، فكتب له على نفسه هذا الدين وقال: إنك لم تصادف عندنا شيئاً فخذ هذا، فإذا جاءنا شيء فأتنا. فقال عمرو: لا جرم والله لا يأخذها إلا بالوافية، أعطيه إياها، فدفع إليه عشرين ألف درهم وافيةً.
    أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا الصلت بن مسعود، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: حدثنا هارون المدائني قال: كان الرجل يأتي سعيد بن العاص يسأله فلا يكون عنده، فيقول: ما عندي، ولكن أكتب علي به، فيكتب عليه كتاباً، فيقول: تروني أخذت منه ثمن هذا؟ لا، ولكنه يجيء فيسألني فينزو دم وجهه في وجهي فأكره رده. فأتاه مولىً لقريش بابن مولاه وهو غلام فقال: إن أبا هذا قد هلك وقد أردنا تزويجه. فقال: ما عندي، ولكن خذ ما شئت في أمانتي. فلما مات سعيد بن العاص جاء الرجل إلى عمرو بن سعيد فقال: إني أتيت أباك بابن فلان، وأخبره بالقصة. فقال له عمرو: فكم أخذت؟ قال: عشرة آلاف. فأقبل عمرو على القوم فقال: من رأى أعجز من هذا! يقول له سعيدٌ: خذ ما شئت في أمانتي فيأخذ عشرة آلاف! لو أخذت مائة ألفٍ لأديتها عنك.
    اعتداد أبي قطيفة بنسبه
    وهجوه عبد الملك بن مروان أخبرني عمي قال: حدثنا الكراني قال: حدثنا العمري عن ابن الكلبي، قال: قال أبو قطيفة - وكانت أمه وأم خالد بن الوليد بن عقبة عمة أروى بنت أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب - :
    أنا ابن أبي معيطٍ حين أنمى ... لأكرم ضئضىءٍ وأعز جيل
    وأنمي للعقائل من قصيٍّ ... ومخزومٍ فما أنا بالضئيل
    وأروى من كريزٍ قد نمتني ... وأروى الخير بنت أبي عقيل
    كلا الحيين من هذا وهذا ... لعمر أبيك في الشرف الطويل
    فعدد مثلهن أبا ذبابٍ ... ليعلم ما تقول ذوو العقول
    فما الزرقاء لي أما فأخزى ... ولا لي في الأزارق من سبيل
    قال: يعني بأبي الذباب عبد الملك. والزرقاء: إحدى أمهاته من كندة، وكان يعير بها.
    أخبرني الحسن بن علي، قال: أخبرني محمد بن زكريا، قال: حدثنا قعنب بن المحرز، قال: حدثنا المدائني، قال: بلغ أبا قطيفة أن عبد الملك بن مروان يتنقصه، فقال:
    نبئت أن ابن العملس عابني ... ومن ذا من الناس البريء المسلم؟
    من أنتم من أنتم خبرونا من أنتم ... فقد جعلت أشياء تبدو وتكتم!
    فبلغ ذلك عبد الملك فقال: ما ظننت أنا نجهل، والله لولا رعايتي لحرمته لألحقته بما يعلم، ولقطعت جلده بالسياط.
    شعر أبي قطيفة في امرأته بعد طلاقها
    أخبرني أحمد بن جعفر جحظة قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن العتبي قال:

    الأغاني - (ج 1 / ص 11)
    طلق أبو قطيفة امرأته، فتزوجها رجلٌ من أهل العراق، ثم ندم بعد أن رحل بها الرجل وصارت له، فقال:
    فيا أسفا لفرقة أم عمرٍو ... ورحلة أهلها نحو العراق
    فليس إلى زيارتها سبيلٌ ... ولا حتى القيامة من تلاقي
    وعل الله يرجعها إلينا ... بموتٍ من حليلٍ أو طلاق
    فأرجع شامتاً وتقر عيني ... ويجمع شملنا بعد افتراق
    مقتل سعيد بن عثمان بالمدينة
    أخبرني عمي ومحمد بن جعفر قالا حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثنا محمد بن علي بن أبي حسان عن هشام بن محمد عن خالد بن سعيد عن أبيه، قال: استعمل معاوية سعيد بن عثمان على خراسان، فلما عزله قدم المدينة بمالٍ وسلاحٍ وثلاثين عبداً من السغد، فأمرهم أن يبنوا له داراً. فبينا هو جالسٌ فيها ومعه ابن سيحان وابن زينة وخالد بن عقبة وأبو قطيفة إذ تآمروا بينهم فقتلوه، فقال أبو قطيفة يرثيه - وقيل إنها لخالد بن عقبة - :
    يا عين جودي بدمعٍ منك تهتانا ... وابكي سعيد بن عثمان بن عفانا
    إن ابن زينة لم تصدق مودته ... وفر عنه ابن أرطاة بن سيحانا
    ذكر معبد وبعض أخباره
    نسب معبد ونشأته ووفاته
    هو معبد بن وهب، وقيل ابن قطني مولى ابن قطر، وقيل ابن قطن مولى العاص بن وابصة المخزومي، وقيل بل مولى معاوية بن أبي سفيان.
    أخبرني الحرمي بن أبي العلاء، قال: حدثنا العيب عليكر بن بكار، قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله الزهري، قال: معبدٌ المغني ابن وهب مولى عبد الرحمن بن قطر.
    وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه، قال: قال ابن الكلبي: معبدٌ مولى ابن قطر، والقطريون موالي معاوية بن أبي سفيان.
    وأخبرني إسماعيل بن يونس، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو غسان، قال: معبد بن وهب مولى ابن قطن وهم موالي آل وابصة من بني مخزوم، وكان أبوه أسود وكان هو خلاسياً مديد القامة أحول.
    وذكر ابن خرداذبه أنه غنى في أول دولة بني أمية، وأدرك دولة بني العباس، وقد أصابه الفالج وارتعش وبطل، فكان إذا غنى يضحك منه ويهزأ به. وابن خرداذبه قليل التصحيح لما يرويه ويضمنه كتبه. والصحيح أن معبداً مات في أيام الوليد بن يزيد بدمشق وهو عنده. وقد قيل: إنه أصابه الفالج قبل موته وارتعش وبطل صوته.
    فأما إدراكه دولة بني العباس فلم يروه أحد سوى ابن خرداذبه ولا قاله ولا رواه عن أحد، وإنما جاء به مجازفةً.
    أخبرني محمد بن العباس اليزيدي، قال: حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثني أيوب بن عمر أبو سلمة المديني قال حدثنا عبد الله بن عمران بن أبي فروة، قال: حدثني كردم بن معبد المغني مولى ابن قطنٍ، قال: مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد وأنا معه، فنظرت حين أخرج نعشه إلى سلامة القس (جارية يزيد بن عبد الملك) وقد أضرب الناس عنه ينظرون إليها وهي آخذة بعمود السرير، وهي تبكي أبي وتقول:
    قد لعمري بت ليلي ... كأخي الداء الوجيع
    ونجي الهم مني ... بات أدنى من ضجيعي
    كلما أبصرت ربع ... خالياً فاضت دموعي
    قد خلا من سيدٍ كا ... ن لنا غير مضيع
    لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
    قال كردم: وكان يزيد أمر أبي أن يعلمها هذا الصوت، فعلمها إياه فندبته به يومئذٍ. قال: فلقد رأيت الوليد بن يزيد والغمر أخاه متجردين في قميصين ورداءين يمشيان بين يدي سريره حتى أخرج من دار الوليد، لأنه تولى أمره وأخرجه من داره إلى موضع قبره.
    فأما نسبة هذا الصوت، فإن الشعر للأحوص، والغناء لمعبد، ذكره يونس ولم يجنسه. وذكر الهشامي أنه ثاني ثقيل بالوسطى، قال: وفيه لحبابة خفيف ثقيل، ولابن المكي ثقيلٌ أول نشيد. وفيه لسلامة القس عن إسحاق لحنٌ من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالوسطى في مجراها.
    أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه، قال قال أبو عبيدة: ذكر مولىً لآل العيب عليكر - وكان منقطعاً إلى جعفرٍ ومحمد ابني سليمان بن علي - : أن معبداً عاش حتى كبر وانقطع صوته، فدعاه رجل من ولد عثمان، فلما غنى الشيخ لم يطرب القوم، وكان فيهم فتيان نزولٌ من ولد أسيد بن أبي العيص بن أمية، فضحكوا منه وهزئوا به، فأنشأ يغني:

    الأغاني - (ج 1 / ص 12)
    فضحتم قريشاً بالفرار وأنتم ... قمدون سودانٌ عظام المناكب
    فأما القتال لا قتال لديكم ... ولكن سيراً في عراض المواكب
    - وهذا شعرٌ هجوا به قديماً - فقاموا إليه ليتناولوه؛ فمنعهم العثماني من ذلك وقال: ضحكتم منه حتى إذا أحفظتموه أردتم أن تتناولوه، لا والله لا يكون ذلك! قال إسحاق: فحدثني ابن سلام قال: أخبرني من رآه على هذه الحال فقال له: أصرت إلى ما أرى؟ فأشار إلى حلقه وقال: إنما كان هذا؛ فلما ذهب ذهب كل شيء.
    اعتراف المغنين لمعبد بالتفوق
    والسبق في صناعة الغناء قال إسحاق: كان معبد من أحسن الناس غناء، وأجودهم صنعةً، وأحسنهم حلقاً؛ وهو فحل المغنين وإمام أهل المدينة في الغناء، وأخذ عن سائب خاثرٍ، ونشيطٍ مولى عبد الله بن جعفر، وعن جميلة مولاة بهزٍ " بطنٍ من سليم " ، وكان زوجها مولىً لبني الحارث بن الخزرج؛ فقيل لها مولاة الأنصار لذلك. وفي معبد يقول الشعر:
    أجاد طويسٌ والسريجي بعده ... وما قصبات السبق إلا لمعب
    قال إسحاق قال ابن الكلبي عن أبيه: كان ابن أبي عتيقٍ خرج إلى مكة فجاء معه ابن سريج إلى المدينة، فأسمعوه غناء معبد وهو غلام، وذلك في أيام مسلم بن عقبة المري، وقالوا: ما تقول فيه؟ فقال: إن عاش كان مغني بلاده. ولمعبدٍ صنعةٌ لم يسبقه إليها من تقدم، ولا زاد عليه فيها من تأخر. وكانت صناعته التجارة في أكثر أيام رقه، وربما رعى الغنم لمواليه، وهو مع ذلك يختلف إلى نشيطٍ الفارسي وسائب خاثرٍ مولى عبد الله بن جعفر، حتى اشتهر بالحذق وحسن الغناء وطيب الصوت. وصنع الألحان فأجاد واعترف له بالتقدم على أهل عصره.
    أخبرني الحسين بن يحيى، قال قال حماد قرأت على أبي: قال الجمحي: بلغني أن معبداً قال: والله لقد صنعت ألحاناً لا يقدر شبعان ممتلىء ولا سقاءٌ يحمل قربةً على الترنم بها ولقد صنعت ألحاناً لا يقدر المتكىء أن يترنم بها حتى يقعد مستوفزاً، ولا القاعد حتى يقوم.
    قال إسحاق: وبلغني أن معبداً أتى ابن سريج وابن سريج لا يعرفه، فسمع منه ما شاء، ثم عرض نفسه عليه وغناه وقال له: كيف كنت تسمع جعلت فداءك؟ فقال له: لو شئت كنت قد كفيت بنفسك الطلب من غيرك. قال: وسمعت من لا أحصي من أهل العلم بالغناء يقولون: لم يكن فيمن غنى أحدٌ أعلم بالغناء من معبد. قال: وحدثني أيوب بن عباية قال: دخلت على الحسن بن مسلمٍ أبي العراقيب وعنده جاريته عاتكة، فتحدث فذكر معبداً فقال: أدركته يلبس ثوبين ممشقين، وكان إذا غنى علا منخراه. فقالت عاتكة: يا سيدي أو أدركت معبداً؟ قال: إي والله وأقدم من معبد. فقالت: استحييت لك من هذا الكبر.
    علو كعبه في صناعة الغناء
    أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد: قرأت على أبي أخبرني محمد بن سلام، قال: حدثني جرير، قال: قال معبد: قدمت مكة فقيل لي: إن ابن صفوان قد سبق بين المغنين جائزةً، فأتيت بابه فطلبت الدخول، فقال لي آذنه: قد تقدم إلي ألا آذن لأحدٍ عليه ولا أؤذنه به. قال فقلت: دعوني أدنو من الباب فأغني صوتاً. قال: أما هذا فنعم. فدنوت من الباب، فغنيت " صوتاً " ، فقالوا: معبد! وفتحوا لي، فأخذت الجائزة يومئذٍ.
    أخبرني الحسين قال نسخت من كتاب حماد: قال أبي: وذكر عوركٌ - وهو الحسن بن عتبة اللهبي - أن الوليد بن يزيد كان يقول: ما أقدر على الحج. فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد:
    القصر فالنخل فالجماء بينهما
    و " قتيلة " يعني لحنه:
    يوم تبدي لنا قتيلة عن جي ... دٍ تليعٍ تزينه الأطواق
    قال إسحاق: قيل لمعبد: كيف تصنع إذا أردت أن تصوغ الغناء؟ قال: أرتحل قعودي وأوقع بالقضيب على رحلي وأترنم عليه بالشعر حتى يستوي لي الصوت. فقيل له: ما أبين ذلك في غنائك! قال إسحاق: وقال مصعبٌ الزبيري قال يحيى بن عباد بن حمزة بن عبد الله بن العيب عليكر حدثني أبي قال: قال معبد: كنت غلاماً مملوكاً لآل قطن مولى بني مخزوم، وكنت أتلقى الغنم بظهر الحرة، وكانوا تجاراً أعالج لهم التجارة في ذلك، فآرتي صخرةً بالحرة ملقاةً بالليل فأستند إليها، فأسمع وأنا نائم صوتاً يججري في مسامعي، فأقوم من النوم فأحكيه، فهذا كان مبدأ غنائي.
    اعتراف مالك بن أبي السمح لمعبد بالتفوق
    عليه في صنعة الغناء
    djalal-dz
    djalal-dz
    النائب العام للمدير
    النائب العام للمدير


    عدد الرسائل : 726
    تاريخ التسجيل : 29/04/2008

    كتاب الأغاني الجزء الأول Empty رد: كتاب الأغاني الجزء الأول

    مُساهمة  djalal-dz 26/5/2008, 03:21

    الأغاني - (ج 1 / ص 13)
    أخبرني الحسين بن يحيى قال: نسخت من كتاب حماد: قال أبي قال محمد بن سعيد الدوسي عن أبيه ومحمد بن يزيد عن سعيد الدوسي عن الربيع بن أبي الهيثم قال: كنا جلوساً مع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقال إنسانٌ لمالك: أنشدك الله، أنت أحسن غناءً أم معبدٌ؟ فقال مالك: والله ما بلغت شراكه قط، والله لو لم يغن معبدٌ إلا قوله:
    لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فر عني مالك بن أبي كعب
    وهم يضربون الكبش تبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلقٍ شهب
    لكان حسبه!. قال: وكان مالك إذا غنى غناء معبدٍ يخفف منه، ثم يقول: أطال الشعر معبدٌ ومططه، وحذفته أنا. وتمام هذا الصوت:
    صوت من غير المائة المختارة
    لعمر أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فر عني مالك بن أبي كعب
    وهم يضربون الكبش تبرق بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلق شهب
    إذا أنفدوا الزق الروي وصرعوا ... نشاوى فلم أقطع بقولي لهم حسبي
    بعثت إلى حانوتها فسبأتها ... بغير مكاسٍ في السوام ولا غصب
    عروضه من الطويل. والشعر لمالك بن أبي كعب بن القين الخزرجي أحد بني سلمة. هكذا ذكر إسحاق، وغيره يذكر أنه من مرادٍ. ولهذا الشعر خبرٌ طويل يذكر بعد هذا. والغناء في البيتين الأولين لمعبد ثقيلٌ أول بالوسطى، ومن الناس من ينسبه إلى ابن سريج. ولمالكٍ في الثالث والرابع من الأبيات لحنٌ من الثقيل الأول بالسبابة في مجرى البنصر عن إسحاق، ومن الناس من ينسب هذا اللحن إلى معبد ويقول: إن مالكاً أخذ لحنه فيه فحذف بعض نغمه وانتحله، وإن اللحن لمعبد في الأبيات الأربعة. وقد ذكر أن هذا الشعر لرجل من مرادٍ، وروي له فيه حديثٌ طويل. وقد أخرج خبره في ذلك وخبر مالك بن أبي كعب الخزرجي أبي كعب بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله في موضع آخر أفرد له، إذ كانت له أخبارٌ كثيرة، ولأجله لا تصلح أن تذكر ها هنا.
    رجع الخبر إلى معبد - أخبرني إسماعيل بن يونس قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان عن يونس الكاتب قال:
    معبد وابن محرز
    أقبلت من عند معبد، فلقيني ابن محرز ببطحان، فقال: من أين أقبلت؟ قلت: من عند أبي عباد. فقال: ما أخذت عنه؟ قلت: غنى صوتاً فأخذته. قال: وما هو؟ قلت:
    ماذا تأمل واقفٌ جملاً ... في ربع دارٍ عابه قدمه
    - الشعر لخالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد - فقال لي: ادخل معي دار ابن هرمة وألقه علي، فدخلت معه، فما زلت أردده عليه حتى غناه، ثم قال: ارجع معي إلى أبي عباد، فرجعنا فسمعه منه، ثم لم نفترق حتى صنع فيه ابن محرز لحناً آخر.
    نسبة هذا الصوت
    صوت
    ماذا تأمل واقف جملاً ... في ربع دارٍ عابه قدمه
    أقوى وأقفر غير منتصبٍ ... لبد الرمادة ناصعٍ حممه
    غناه معبدٌ، ولحنه ثقيلٌ أول بالسبابة في مجرى الوسطى. وفيه خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى ينسب إلى الغريض وإلى ابن محرز. وذكر عمرو بن بانة أن الثقيل الأول للغريض. وذكر حبش أن فيه لمالكٍ ثاني ثقيلٍ بالوسطى. وفيه رملٌ بالوسطى ينسب إلى سائب خاثرٍ، وذكر حبشٌ أنه لإسحاق.
    قدوم ابن سريج والغريض المدينة
    ثم ارتدادهما عنها بعد سماعهما صوت معبد أخبرني الحسين بن يحيى قال نسخت من كتاب حماد: قال أبي قال ابن الكلبي: قدم ابن سريج والغريض المدينة يتعرضان لمعروف أهلها، ويزوران من بها من صديقهما من قريشٍ وغيرهم. فلما شارفاها تقدما ثقلهما ليرتادا منزلاً، حتى إذا كانا بالمغسلة - وهي جبانةٌ على طرف المدينة يغسل فيها الثياب - إذا هما بغلامٍ ملتحفٍ بإزارٍ وطرفه على رأسه، بيده حبالةٌ يتصيد بها الطير وهو يتغنى ويقول:
    القصر فالنخل فالجماء بينهما ... أشهى إلى النفس من أبواب جيرون
    وإذا الغلام معبد. قال: فلما سمع ابن سريج والغريض معبداً مالا إليه واستعاداه الصوت فأعاده، فسمعا شيئاً لم يسمعا بمثله قط. فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هل سمعت كاليوم قط؟ قال: لا والله! فما رأيك؟ قال ابن سريج: هذا غناء غلامٍ يصيد الطير، فكيف بمن في الجوبة! - يعني المدينة - قال: أما أنا فثكلته والدته إن لم أرجع. قال: فكرا راجعين.

    الأغاني - (ج 1 / ص 14)
    قدوم معبد مكة وما وقع له مع الغريض
    قال: وقال معبد: قدمت مكة، فذهب بي بعض القرشيين إلى الغريض، فدخلنا عليه وهو متصبح، فانتبه من صبحته وقعد، فسلم عليه القرشي، وسأله فقال له: هذا معبدٌ قد أتيتك به، وأنا أحب أن تسمع منه. قال: هات، فغنيته أصواتاً. فقال بمدرى معه في رأسه، ثم قال: إنك يا معبد لمليح الغناء. قال: فأحفظني ذلك، فجثوت على ركبتي، ثم غنيته من صنعتي عشرين صوتاً لم يسمع بمثلها قط، وهو مطرقٌ واجمٌ قد تغير لونه حسداً وخجلاً.
    ما وقع لمعبد مع حكم الوادي
    قال إسحاق: وأخبرت عن حكمٍ الوادي قال: كنت أنا وجماعةٌ من المغنين نختلف إلى معبد نأخذ عنه ونتعلم منه، فغنانا يوماً صوتاً من صنعته وأعجب به، وهو:
    القصر فالنخل فالجماء بينهما
    فاستحسناه وعجبنا منه. وكنت في ذلك اليوم أول من أخذه عنه واستحسنه مني فأعجبتني نفسي. فلما انصرفت من عند معبد عملت فيه لحناً آخر وبكرت على معبد مع أصحابي وأنا معجبٌ بلحني. فلما تغنينا أصواتاً قلت له: إني قد عملت بعدك في الشعر الذي غنيتناه لحناً، واندفعت فغنيته صوتي، فوجم معبدٌ ساعةً يتعجب مني ثم قال: قد كنت أمس أرجى مني لك اليوم، وأنت اليوم عندي أبعد من الفلاح. قال حكمٌ: فأنسيت - يعلم الله - صوتي ذلك منذ تلك الساعة فما ذكرته إلى وقتي هذا.
    ما وقع لمعبد مع العبد الأسود
    وهو في طريقه إلى بعض أمراء الحجاز قال إسحاق: وقال معبد: بعث إلي بعض أمراء الحجاز - وقد كان جمع له الحرمان - أن اشخص إلى مكة، فشخصت. قال: فتقدمت غلامي في بعض تلك الأيام، واشتد علي الحر والعطش، فانتهيت إلى خباء فيه أسود وإذا حباب ماء قد بردت، فملت إليه فقلت: يا هذا، اسقني من هذا الماء. فقال لا. فقلت: فأذن لي في الكن ساعةً. قال لا. فأنخت ناقتي ولجأت إلى ظلها فاستترت به، وقلت: لو أحدثت لهذا الأمير شيئاً من الغناء أقدم به عليه، ولعلي إن حركت لساني أن يبل حلقي ريقي فيخفف عني بعض ما أجده من العطش! فترنمت بصوتي:
    القصر فالنخل فالجماء بينهما
    فلما سمعني الأسود، ما شعرت به إلا وقد احتملني حتى أدخلني خباءه، ثم قال: إي، بأبي أنت وأمي! هل لك في سويق السلت بهذا الماء البارد؟ فقلت: قد منعتني أقل من ذلك، وشربة ماءٍ تجزئني. قال: فسقاني حتى رويت، وجاء الغلام فأقمت عنده إلى وقت الرواح. فلما أردت الرحلة قال: إي، بأبي أنت وأمي! الحر شديدٌ ولا آمن عليك مثل الذي أصابك، فأذن لي " في " أن أحمل معك قربةً من ماء على عنقي وأسعى بها معك، فكلما عطشت سقيتك صحناً وغنيتني صوتاً! قال: قلت ذاك لك. فوالله ما فارقني يسقيني وأغنيه حتى بلغت المنزل.
    نسخت من كتاب جعفر بن قدامة بخطه: حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه عن العيب عليكر عن جرير قال:
    معبد وابن سريج والتقاؤهما
    عفواً ببطن مر ثم تعارفهما بصوتيهما كان معبدٌ خارجاً إلى مكة في بعض أسفاره، فسمع في طريقه غناءً في " بطن مر " فقصد الموضع، فإذا رجلٌ جالسٌ على حرف بركةٍ فارقٌ شعره حسن الوجه، عليه دراعة قد صبغها بزعفرانٍ، وإذا هو يتغنى:
    صوت
    حن قلبي من بعد ما قد أنابا ... ودعا الهم شجوه فأجابا
    ذاك من منزلٍ لسلمى خلاءٍ ... لابسٍ من خلائه جلبابا
    عجت فيه وقلت للركب عوجوا ... طمعاً أن يرد ريعٌ جواباً
    فاستشار المنسي من لوعة الح ... ب وأبدى الهموم والأوصابا
    فقرع معبدٌ بعصاه وغنى:
    منع الحياة من الرجال ونفعها ... حدقٌ تقلبها النساء مراض
    وكأن أفئدة الرجال إذا رأوا ... حدق النساء لنبلها أغراض
    فقال له ابن سريج: بالله أنت معبد؟ قال: نعم، وبالله أنت ابن سريج؟ قال: نعم، وواله لو عرفتك ما غنيت بين يديك.
    نسبة هذين الصوتين وأخبارهما
    صوت
    حن قلبي من بعد ما قد أنابا ... ودعا الهم شجوه فأجابا
    فاستثار المنسي من لوعة الح ... ب وأبدى الهموم والأوصابا
    ذاك من منزلٍ لسلمى خلاءٍ ... مكتسٍ من عفائه جلبابا
    عجت فيه وقلت للركب عوجوا ... طمعاً أن يرد ربعٌ جوابا

    amine2008
    amine2008
    عضو فضي
    عضو فضي


    عدد الرسائل : 360
    العمر : 31
    تاريخ التسجيل : 30/05/2008

    كتاب الأغاني الجزء الأول Empty رد: كتاب الأغاني الجزء الأول

    مُساهمة  amine2008 27/6/2008, 08:05

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    avatar
    زائر
    زائر


    كتاب الأغاني الجزء الأول Empty رد: كتاب الأغاني الجزء الأول

    مُساهمة  زائر 29/8/2008, 18:54

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]<br>[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]<br>[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
    <br>

      الوقت/التاريخ الآن هو 19/5/2024, 03:15